جميع المواضيع

هَلْ مِن تطبيقِ الشريعة ما قامت به الحركاتُ المسلَّحة في شمال مالي ؟!




     د.هارون ميغا، بماكو، مالي
بادئ ذي بَداءة لا بدَّ مِن التنبيه على ثلاثة أمور: 
الأوَّل: تتمثَّل مصادر هذا المقال في المشاهدات والمتابعات، وروايات علماء ودعاة لا يزالون في هذه المدن منذ احتلالها إلى الآن لا يخرجون منها إلاّ لضرورة  لكن لا يلبثون أن يعودوا إليها وقد عارضوا-ولا يزالون-  ما يقوم بها تلك الحركات في كلّ لقاء يجمعهم بها. ثمَّ روايات بعض السكّان, منهم النازحون ومَن يخرجون من هذه المدن لحاجة ثمَّ يعودون إليها. كلُّ أولئك بيننا وبينهم تواصل بالاتصالات وبالالتقاء في الاجتماعات  والندوات والمؤتمرات التي عُقِدَتْ في بماكو() .  
الثاني: مِن المُسلَّمات عند كلّ مسلم حقيقي أنّ شريعة الإسلام صالحة لكلّ زمان ومكان، وتُطبَّق بالشروط والضوابط التي استنبطها العلماء من النصوص الشرعيّة وفصَّلوا القول فيها. هذا أمر لا مُحابةَ ولا مُجاملةَ فيه. 
الآخِر: أنَّ ما جرى ويَجري في مدن شمال مالي ممَّا يُسمَّى (تطبيق الشريعة) لا علاقة له –لا من بعيد ولا من قريب- بالتطبيق الحَقِّ للشريعة وإنْ سمَّوه كذلك؛  لأنَّه يفتقد تلك الشروط والضوابط الأساس؛ فضلا عن أنَّه حصر الشريعة الشاملة لكلّ شؤون الحياة حَصرَهَا في بعض الحدود الجنائيَّة وبعض الشكليَّات.
تجد تفصيلا وبيانا عن الأمرين (الثاني والثالث )في الدراسة العلميَّة الموضوعيَّة التي قام بها علماء المجلس الإسلامي الأعلى في مالي. بعنوان: " حمل السلاح لتطبيق الشريعة في العصر الحديث: ما وقع في مالي نموذجا " رمضان 1433هـ يوليو 2012م. شارك في اللجنة العلميَّة المكلَّفة بإعدادها ما لا يقلّ عن عشرين عالما وداعية من مختلف التخصُّصات وحاملي الشهادات العليا والطوائف، ثمَّ تمَّ إقرارها في نقاش مفتوح جمع علماء آخرين من مختلف مناطق مالي. وقد كنتُ مشاركا -بصفة خبير - في كلّ خطوات إعدادها إلى إقرارها.

أمَّا الاستهزاءُ بالشريعة والتمييزُ  والتمييعُ في تطبيقها بمدن شمال مالي على أيدي المسلَّحين فيظهران جَليًّا من خلال الموازنة بين ما جَرى ويَجري في مدينتَيْ غاو  و تنبكتو  و بين ما جَرى ويَجري في مدينة كيدال.
ففي مدينتي غاو  و تنبكتو تجد عندهم: جلدَ الزاني، ورمي المحصَن، والتعزير على التدخين بالضرب أو السجن لمدَّة، وقطع يد السارق، ونوعًا من حدِّ الحِرابة (قطع اليد والرجل مِن خلاف)، ومنعَ الدخان ((Cigarette والتَّبْغ ( Tabac يُستعمَل بالمضغ في الفم) منعُهما بَيعًا واستعمالا، ومنعَ مشاهدة التلفيزيون ، وقطعَ القمصان والسراويل لتكون عند نصف الساق أو أسفل منه، وضربَ النساء في الشارع – في وضح النهار- إن لم تكن تلبس لباسا ساترا حتى البُنَيَّات من 6-8 سنوات، بل وصل الأمر ُ بطائفة قليلة منهم في الفترة الأخيرة إلى تَحسُّس الزينة الخَفِيَّة التي تلبسها المرأة تحت إزارها (على الخاصرة)؛ بحثًا عمَّا قد يُصوِّت من تلك الزينة عند المشي. فضلاً عن سَوْقِهنَّ إلى سجون المسلَّحين التي يُشرِف عليها الرجال القوَّامون، والزواج بالإكراه، و تطليق المرأة من زوجها بالإكراه بسبب تمرُّده على بعض تصرُّفات أولئك المسلَّحين، والتعرُّض بالأذى الجسدي الشديد لمن قد يعترض على بعض تصرُّفاتهم السيِّئة, وهدم المزارات... .إلخ.
أمَّا في مدينة كيدال فتطبيق الشريعة مَحصورٌ فيما يأتي:
- قطع القمصان والسراويل لتكون عند نصف الساق أو أسفل منه.
- حضور الجماعة في المسجد.
- عَدم قَبول التعرُّض للناس أو ممتلكاتهم بأذى من أيٍّ كان.
- منع الدخان ((Cigarette بَيعًا واستعمالا. أمَّا التَّبغُ( Tabac) فَمُباحٌ مُطلَق؛ لأنَّ الإدمان عليه في مجتمع الطوارق عند الرجال والنساء في كلِّ مكان وزمان كالإدمان على شرب الشاي الأخضر.
- توجيه النساء إلى اللباس الساتر والتفريق بينهنَّ وبين الرجال في السوق بتحديد جهة خاصَّة بكلِّ طرف مع إتاحة الفرصة لكلِّ طرف ليشتري من الطرف الآخر.
              هذه هي الأمور التي تُطبَّق فيها الشريعة في مدينة كيدال أمّا ما عَداها فلم يثبت قطُّ تطبيق الشريعة فيها     يَا لَلْعَجَب العُجاب!!!.
               أعتقد أنَّ الإنسان العاقل حتى غير المسلم لَيَحارُ ويَتعبُ في البحث عن جواب لسؤال: لِمَ التمييز في تطبيق الشريعة على ساكني هذه المدن؟      
هل السبب أنَّ كيدال يُسيطر عليها أبناؤها من مجموعة الطوارق وهم يعلمون عِلمَ اليقين أنَّ عند قومهم عادات راسخة مخالفة للشريعة لا يمكن التطرُّق إليها لا من بعيد ولا من قريب ، وأنَّ تطبيق تلك الأحكام عليهم من الصعوبة بمكان؛ خوفًا من ردِّ الفعل والانتقام منهم أو من أُسِرهم عاجلا أو آجلا؛ لأنَّ ثقافة الانتقام والعصبيَّة القبليَّة مُتجذِّرة لديهم() ؛ فعمِلوا بالمثَل: سُدَّ البابَ الذي تأتيك منه الريح واستَرِحْ !!!!! 
أمَّا غاو و تنبكتو فيُسيطر عليهما مجموعةٌ من الطوارق الخانقين على سكَّان المدينتين، ومجموعةٌ من العرب والأفارقة -أكثرهُم ليسوا من المنطقتين- تشبَّعوا بأفكار الخوارج و الغلوِّ في الدين ، وسال لُعابُ طائفة منهم للأموال التي تدفعها الحركتان لمن ينضمُّ إليهما من أبناء هذه المدن وقبائلها؟ أو السببُ تصديقُ ما أعلنه موسى السديد المتحدِّث باسم MNELA في إذاعة فرنسا الدولية عند الانفصال الأوَّل شبه التام بين MNELA وبين أنصار الدين؛   فقد قال- والعُهـدةُ عليه- إنَّ غالبيَّـة الطوارق لا يعرفون من الإسلام إلاّ الاسم؟ أو السببُ هو الاستهزاءُ بالشريعة، والنفاقُ، وتأكيدُ مقولة: إنّ MNELA وأنصار الدين وقاعدة المغرب الإسلامي في الحقيقة وجهان لعملة واحدة وإن اختلف خطابُهما في الظاهر –أحيانا-؟ .
             لكنَّ العَجب قد يزول بإنعام النظر في ثلاثة أمور: 
             الأمر الأوَّل: تذكُّرُ الأعمال الشَّنيعة التي قام بها تلك المجموعات المسلَّحة وبخاصَّة MNELA في مدينتي غاو وتنبكتو بعد السيطرة عليهما حيث لم يحدثْ أقلُّ من عُشرِها في مدينة كيدال،  كنهب الممتلكات الحكومية والأهليّة، وسرقة البنوك والمولِّدات الكهربائيَّة،  واغتصاب النساء، وقتل الأبرياء، وتخريب جميع المؤسَّسات وما فيها !! 
               الأمر الثاني: أنَّ الحقيقة المرَّة التي أصبح واضحا لكلِّ ذي عينين، ومعلنًا عنه بصوت مرتفع جدًّا، ولا ينتطح فيه عنزان، أي لا يختلف فيه اثنان، تلك هي أنَّ  MNELA  العلماني و أنصار الدين  إنَّما هما كاذبان فيما يزعمانه -هُما ومَن معهما من دول ومنظمات- من وجود اختلاف جذري بينهما. إنَّهم  جميعا محاربون لله ولرسوله، وساعون في الأرض فسادا- وإن تفاوتوا في ذلك- .
 الأمر الثالث: حقيقة موقف الدول المجاوِرة لمالي بوركينافاسو، والجزائر، وموريتانيا، وموقف بعض الدول الغربيَّة، والمنظمَّات الدولية (وبخاصَّة التي تُسمِّي نفسَها حقوقيَّة أو مدَنِيَّة ولا تنظر بعينين إلى الجرائم الفظيعة التي أحدثتها هاتان الحركتان)، يكون موقفها جميعا من إعلان الحرب في شمال مالي حيث يستثنون هاتين المجموعتين MNELA  العلماني و أنصار الدين التمييز ي في تطبيق الشريعة يستثنوْنهما من الحرب التي ستُعلن، ويرون حصرها في MUJAO  و AQMI  بحجَّة واهية هي أنّ MNELA  العلماني و أنصار الدين  مواطنون ماليُّون، لهم حقوق ومطالب معقولة لديهم، والآخَرون مواطنون أجانب.  
إنَّ تلك الدول والمنظمَّات الغربية، ودول الجوار لمالي بوركينا فاسو والجزائر وموريتانيا، إنَّما وجدت – منذ البداية- في MNELA  العلماني قَلبا وقالَبا و في أنصار الدين وجدت فيهما كِلَيْهِما: 
1- أنَّهما –في الحقيقة- وجهان لعملة واحدة وإن اختلفتْ الأسماء والصور والملابس. ولذلك تبذل النفس والنفيس في استثنائهما من توجيه الحرب إليهما بحجج واهية منها: أنَّهم مواطنون ماليُّون، لهم حقوق ومطالب معقولة لديهم، والآخَرون مواطنون أجانب.  وأنَّهم أقدر على مواجهة فيMUJAO  و AQMI  لمعرفتهم بالصحراء...إلخ !!!.     
والسؤال: ما بالُ أولئك الذين وقعت عليهم الفظائع؟ إنَّهم مواطنون أقحاح وهم الأغلبيّة، ويعرفون الصحراء حقَّ المعرفة. ثمَّ مَن الذين جاؤوا بـحركتي  MUJAO و AQMI  اللَّتَيْن أصبحتَا –الآن فقط-  أجانب وأعداء، أليس MNELA  العِلماني و أنصار الدين ؟ بلى.
2 – وجدتْ أنَّ العلاقة بينهما تقوم على لعبَة أساسها مرحلتان: مرحلة ظاهرها العَداء وباطنها التعاون والاتحاد مهما اختلفت الوسائل. ومرحلة أساسها: إن خسِِرتَ MNELA العِلماني فلا تخسَرْ أنصار الدين؛ لأنَّ الغنيمةَ والدَّمَ غنيمتُك ودمُك على كلِّ حال، وحيثُ كانَا !!!
3- وجدَتْ في موقفهما ذلك الاستهزاء بالشريعة، والتمييز في التطبيق، والفساد في الأرض باسم التحرير وحقِّ المواطنة.
شرُّ البِلية أن تستدلَّ لوجود الشمس، ومع ذلك هاك بعض الأدلَّة على أنَّ MNELA  العِلماني وأنصار الدين وجهان لعملة واحدة منذ البداية: 
أ‌- في 6/5/2021م أعلنت الحركتان MNELA و أنصار الدين وبحضور عدد من فقهاء الطوارق عن الاتفاق والتوصل إلى   حل يرضي الطرفين، تمثَّل في ثلاثة بنود رئيسة:
       - دمج حركة أنصار الدين داخل مشروع دولة الطوارق المزعومة في شمال مالي.
      - قبول تطبيق الشريعة الإسلامية المعتدلة فيها
      - إبعاد جميع الأجانب في الحركات المسلحة عن شمال مالي
        ثمَّ جاء ما ظهر كأنَّه طلاق بائن بينهما بسبب الانتقادات الحادَّة التي تعرضت لها كلٌّ من الحركتين  MNELA        و أنصار الدين من قِبَل مُموِّليها ومن بعض كبار اللاعبين في السَّاحة.
ب- لا تجد في كيدال عَلمَ دولة مالي، ولا يُسمَحُ إلاّ برفع عَلَم حركات الجهاد (اللون الأسود في وسطها كلمة الشهادة)، مع العِلم بأنَّ حركة أنصار الدين الطارقية هي المسيطرة عليها وهي تزعم البقاء في مالي موحَّدة!!!! 
ج-  ألم تسمع مؤخَّرا –الأسبوع الأوَّل من شهر ديسمبر 2012م-  أنَّ المئات من مقاتلي الطوارق من  MNELA العِلماني والانفصالي قد انضمُّوا إلى أنصار الدين والمتظاهر بعدَم الانفصال؛ وذلك بعد خسائر  MNELA في معارك مِنَكَا.
د- بعد صدور ما يُسمَّى بقرار موافقة مجلس الأمن (2085) على إرسال قوَّات إفريقيَّة إلى مالي لتحرير شماله ظهر إعلان الحركتين عن اتفاق بينهما يوم الجمعة 21/12/2012م وفي الجزائر –كعادتها دائما - انتهى بالاندماج بينهما سياسيا وعسكريا. والحقيقة أنَّ هذا الاندماج ليس جديدا وإنَّما صار –الآنَ- جهارا نهارا وبأسلوب واضح بعد أن كان يتمُّ في الخفاء وبأساليب مُلتَوِية. وراءه موقف جزائري مشهور ومعهود لشيء في نفس يعقوب.
وقد جاء قرار مجلس الأمن المذكور –أصلا- في صالح  MNELA  العِلماني و أنصار الدين  وبقيَّة المسلَّحين في الشمال من عدَّة نواحٍ؛ فهو لم يُحدِّدْ تاريخا لِبدْء العمليَّات أو حتى لوصول القوَّات المساندة لقوّات مالي، وإن أُشيع بأنَّ السبب هو السرِّيَّة العسكريَّة.  وحدَّد مرحلتين –بدون تاريخ- أُولاهما لتدريب قوَّات مالي، والأخرى لتدريب القوَّات الأفريقيَّة. ولم يضعْ تاريخا لتسديد ما تبقَّى من تكاليف العمليَّات. واقترح إجراء انتخابات قبل تحرير الشمال. 
إنَّ كلَّ واحد من هذه الأمور في صالح المحاربين الطوارق والجماعات المسلَّحة الأخرى، وفيها تكبيلٌ للماليين حكومةً وشعبا وجيْشًا ؟!!! ومَنْ يقرأ المماطلة في مواقف الأمم المتحدَّة ومجلس الأمن في الأحداث العالميَّة كقضيَّة فلسطين، ومشكلة الصومال،  وكونغو الديمقراطيَّة، والعراق، ومينمار... لا يستغرب مثْلَ هذا؛ لأنَّها تأتي دائما في صالح المُعتدِي لا في صالح المُعتدَى عليه!!!  والأسَف أنَّ الماليين شعبا وحكومةً ومنظمة دول غرب أفريقيا والاتحاد الإفريقي لم يَستفيدوا من تلك المماطلة في المواقف فاستغاثوا من الرمضاء بالنَّار نارِ المصالح الخاصَّة بكُلِّ دولة والمكاسب والفوائد التي ستجنيها؛ فالمنطلق هو رابح -رابح (Gagnant- Gagnant ) الربح المتبادل، أي المساعدة مقابِل ربح.
            أرأيتَ كيف أنَّ موقف الحركتين مما يُسمَّى بتطبيق الشريعة في مدن شمال مالي إنَّما هو -في الحقيقة- نِفاقٌ، ومُحارَبةٌ لله ولرسوله، واستهزاءٌ بالشريعة، وتمييزٌ وتميِيعٌ في تطبيقها وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( واللهِ لو أنَّ فاطمةَ بنت محمد سرقت لقطعتُ يدَها)) أو كما قال!!!! 
هذا وحده هو الذي يُمكن أن يشرح حقيقة موقف الدول المجاوِرة لمالي بوركينافاسو، والجزائر، وموريتانيا، وموقف بعض الدول الغربيَّة، والمنظمَّات الدولية من استثناء MNELA  العلماني و أنصار الدين من الحرب المعلَنَة؛ إذ وجدتْ فيهما منذ الانطلاق  أنَّهما –في الحقيقة- وجهان لعملة واحدة وإن اختلفتْ الأسماء والصور والملابس. وأنّهما بإعلانهما الاتفاق ثم  الانفصال، وقبولهما بالتفاوض والبراءة من الحركات المسلَّحة الأخرى( حركة التوحيد والجهاد MUJAO و قاعدة المغرب الإسلامي AQMI )  ثمَّ إعلان الانسحاب من التفاوض كما فعلتْ أنصار الدين في 03/01/2013م  بِحجَّة عَدَم جديَّة حكومة مالي وعَدم وضوح  عدم موقفها!!
 كلُّ هذه التحرُّكات التي تُقدَّم فيها رِجْلٌ وتؤخَّر أخرى إنَّما هي –في الحقيقة وعلى أرض الواقع-  مماطلة، وذَرٌّ  للرماد في العيون، ودليلٌ قاطع على أنَّ دعوى الانسلاخ عن تلك الحركات مستحيلة  على أرض الواقع وفي العقل؛ إذ يترتَّب عليها خَيارٌ صعب ومستحيل  هو الدخول في اقتتال مع تلك الحركات التي لم تأتِ MNELA  العِلماني و أنصار الدين إلاَّ على أكتافها. ألمْ ترَ إعلان تعاون أنصار الدين وقاعدة المغرب الإسلامي عن محاربة كلّ حركة مسلَّحة في شمال مالي ليست من الحركات الإسلاميَّة فبدأت المواجهة بينهما وبين الحركة العربيّة الأزواديّة في 02/01/2013م على حدود مالي والجزائر ثمَّ على حدود مالي وموريتانيا وأخيرا تحرُّكهما يوم 06/01/2013م تجاه سفاري!!!
  إنّ على العقلاء من مالي حكومةً وشعبًا، وعلى العقلاء من غيرهم حكوماتٍ وشعوبًا، ومنظَّماتٍ دوليَّة أُمَميَّة، وأهليَّة أو حكوميَّة، ألاَّ يغترُّوا بهذا الضجيج الصاخب بين الحركتين؛ فإنَّ وراء الأكمة ما وراءها، عليهم جميعا وعلى الماليين خاصة أن يتكاتفوا ويُسَّرِعوا الخطوات لإزالة الضرر والشرّ وأهلهما من أراضي مالي وشعبها اليومَ قبل غدٍ وإن كان غدٌ لناظره قريبا. فقد حصحص الحق، وانكشف الغطاء، ولم يبقَ  ما يمكن إخفاؤه فيما يتعلَّق بحقيقة أنَّ الحركتين وجهان لعملة واحدة، وببعض الدول والمنظمَّات الدوليَّة التي وعَتْ هذه الحقيقة من البداية فأردات التسلُّق عليهما للوصول إلى أهدافها. وقد تبيَّن –أيضا- الاستهزاءُ بالشريعة، والنفاقُ والتمييزُ في تطبيقها؛  فعلى أبناء مالي حكومةً وشعبًا ألاَّ يُلدغوا مرَّتين؛ إذ لا يُلدغ المؤمن من جُحر مرَّتين أي لا يقع العاقل الحصيف البعيد النظر في الخطأ نفسه مرَّتين ؟؟؟
              بقي في تطبيق الشريعة: ما يتعلَّق بِهدم المزارات؟            
              إنَّ هذا –أيضا- لم يحدث منه شيء في مدينة كِيدال، لكنَّ الأهمّ هو:  ما الصورة الحقيقيَّة لها وما ذا يترتَّب عن هدمها؟
          لِتَتضِّح الصورة أنقلُ ما كتبتُه بتاريخ 03/7/2012م 13/8/1433هـ بعنوان: " كلمة في هدم المزارات بتنبكتو" وتمَّ توزيعه على عدد من العلماء والدعاة من مختلف الطوائف وبعض الهيئات، جاء فيها:
شهد العالم كلُّه منذ يوم الأحد 1/7/2012م، 21/8/1433هـ ما قامت به الحركات المسيطرة على مدينة تنبكتو كأنصار الدين وغيرها مِنْ هدمٍ لِمزاراتٍ أقيمت على قبور في أطراف المدينة أو داخل بعض مساجدها()؛ فأردتُ أن أقف –في عُجالة- وقفات قصيرة عند الموضوع؛ فبالله التوفيق وعليه التكلان.
لا بدَّ –بداءةً- من أربع وقفات، هي:
الوقفة الأولى: لا شكَّ في أنّ زيارة القبور مشروعة في الإسلام؛ للاتعاظ، وللسلام على أهلها والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة. أمَّا زيارتُها لعبادة أهلها بأيِّ نوع من العبادة، كالاستعانة والاستغاثة بهم، وتقريب الصدقات والقرابين لهم... فشرك بالله تعالى.
الوقفة الثانية: لا شكَّ في أنَّ كثيرا من أهل تنبكتو يعتقدون في أصحابها القدرة على مساعدتهم وحفظهم من الشرور، بل ويعتقدون أنّها تحفظ المدينة من الأشرار والشِّرِّرين؛ ولذلك تَجِد في كلّ جهة من المدينة مقبرة أو مقابر يعتقدون أنَّ صاحبها يحفظ المدينة من ناحيته. وأبرز وقت لظهور ذلك صبيحة الجمعة وأيّام المولد التي كان يظهر فيها –سابقا- الكثير من المفاسد الخطيرة والمنكرات العظيمة منها أن تجد امرأة لا تكاد تخرج من بيتها بقيّة أيّام السنة حتى إذا جاءت أيّام المولد خرجت وأباحت لنفسها كلَّ مخالفة شرعيّة لدرجة لا تكاد تمنع إزارَها من أيّ طالب.
لكنَّ هذا الاعتقاد والتصرُّفات شهدت – في السنوات العشرين الأخيرة() – تغييرات إيجابيَّة؛ بسبب جهود عدد من الدعاة السنِّيين في المدينة من أبنائها؛ ومشاركاتهم في الوعظ بالمساجد والجلسات والإذاعات المحليَّة؛ وبدورات علميّة ودعويّة تُقام فيها؛ وبظهور مدارس إسلاميّة نظاميّة تُدرِّس العقيدة الصحيحة على منهج السلف الصالح؛ ثمَّ بسبب القنوات الفضائيّة الإسلاميَّة التي يشاهدها كثير من الناس في هذه المدينة، وغيرها.
الوقفة الثالثة:  أنَّ أُناسا كثيرين إنَّما يُتاجِرون بها؛ حيث اتَّخذوها موردا لكسب الأموال والمكانة الاجتماعيَّة.  
الوقفة الرابعة: أنَّ الزائرين لهذه المقابر من المسلمين ثلاثة أنواع:
الفريق الأوَّل يزورها الزيارة الشرعيّة الصحيحة؛ للاتعاظ، وللسلام على أهلها والدعاء لهم.  ولعلَّ نسبته المئوية –في الآونة الأخيرة- لا تقلُّ عن 30%  من المئة، تقريبا.
الفريق الثاني يزورها لدعاء أهلها والاستغاثة والاستعانة بهم في كلّ ما يتعلَّق بحياتهم، وتقريب بعض القربات لهم. ولعلَّ نسبته تُقارِب40% من المئة، وقد كانت نسبتُهم في زيارتي الأولى لهذه المدينة عام 1995م() لا تقلُّ عن 50% من المئة.
الفريق الثالث يزورها إمَّعةً أو على أساس –فقط- أنّها من معالم المدينة. ولعلَّ نسبته لا تقلُّ عن 25% من المئة. أمّا الخمسة 5% من المئة المتبقية فلا أستطيع تصنيفها.
وبإنعام النظر في أهداف الزيارة وفي النِّسَب التقريبيّة السابقة يتضح أمور:
1- قِلَّة عَددِ الذين يَزورونها لتقديم نوٍع من العبادة لأصحابها مقارنةً بغيرهم، وبخاصَّة إذا تذكَّرنا أنَّ طائفةً من الفريق الثاني جَهَلة.
2- غالبيَّةُ زائريها لا يعتقدون فيها، وبخاصَّة الفريق الأوَّل والثالث وبعض الفريق الثاني، أي ما لا تقلُّ نسبتُه عن 55% من المئة.
أمَّا بعض المساجد التي فيها مقابر مثل جِنْغَرَي بير، وسانكوري، وسيدي يحي؛ فإنّ هذه المقابر لم تكن في الأصل داخل المساجد بل كانت خارجها إمّا في الطرف الغربي أو الشمالي أو الجنوبي، ثمّ أصبحتْ جزءا من المساجد بالتوسُّعات التي شهدتْها حتى صار بعض صفوف الصلاة خلفَها.
                لِذلكَ كلِّه يبدو لي أنَّ هدم تلك الحركات لها أكثرُ ضررًا على الإسلام والمسلمين وأشدُّ لما يأتي:
أ- أنَّ هدمَها أدَّى إلى اعتبارها تراثا عالميا، ومعنى ذلك إعادة بنائها، والعناية بها والمحافظة والإنفاق عليها بشكل أكبر وأوسع ممَّا كانت عليه قبل الهدم، بل لا نستبعد أن تخرج عن سيطرة الماليين، والقواعد الإسلاميَّة تأمرنا بـــ "الأخذ بأخفِّ الضَّرَرين" و "دَرْء المفاسد مُقَدَّم على جَلبِ المصالح"  و "الضَّرَر لا يُزال بِضرَرٍ أشدَّ منه"....إلخ.
والمسلم العاقل الواعي-كما يقول ابن تيمية رحمه الله- ليس مَن يعرف الخيرين والشَّرَّين وإنَّما هو مَن يعرفُ خيرَ الخَيرين وشرَّ الشَّرَّين. 
ب- إضعاف جانب دعاة أهل السنَّة والجماعة الذين يدعون إلى تغيير الجانب السيئ من زيارتها بالحكمة والموعظة الحسنة؛ بتصويرهم في صورة برابرة ضدَّ كلِّ ما هو إنسانيّ وبأنَّهم وَهَّابيون دعاة إلى دين دخيل على أفريقيا مِثْلَما كان يُقال من تُهَمٍ في بداءات النهضة السنِّيَّة بهذه البلاد وغيرها من مناطق غرب أفريقيا.
ج- تأجيج الصراع بين هذه الطائفة وبين المدافعين عن هذه المزارات والمتاجرين بها سواء باسم الدين أم باسم التراث الإنساني العالمي أم باسم السياحة من داخل مالي وخارجها.
هذا الموقف هو الذي ينبغي-في رأيي- أن يقفه المسلم المالي العاقل الواعي المُخْلِص لدينه ووطنه، وأن يقفه -أيضا- كلُّ مَن يهتمّ بالإنسان وبشؤونه العامَّة والخاصَّة، ويزن الأمور بموازين "درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح"  و "الأخذ بأخفِّ الضَّرَرين"، و "الضَّرَر لا يُزال بضرَر أشدَّ منه"....إلخ.
 لكنَّ الأغرب- حقًّا- أن نجد في ربوع العالم كلِّه بحكوماته ومنظمَّاته الدولية والحقوقيَّة ردًّا عنيفا وسريعا جدًّا، واحتجاجات مُضَوِيَّة على مدار الساعة، واجتماعات عاجلة؛ للتنديد بهدم هذه المزارات، بل والقرارات المتَّخذة بسرعة فائقة في غضون 72 ساعة للمطالبة بجمع الأموال ومساعدة مالي على إعادة بنائها. 
كلُّ ذلك ما لم نجد ثُلثَه لمَّا تعرَّضتْ النفوس للإزهاق، والأعراض للانتهاك، والأموال للنهب، والممتلكات للتخريب، في أغلوق، وغاو، وكبرا، وغيرها، لم نجد ثُلثَه لا مِن قِبَل الأمم المتحدَّة ومنظمّاتها، ولا مِن قِبَل المنظمات الدولية والدول الإسلاميّة وحكوماتها التي استقيظت-الآن فقط- أليست تلك المنظمَّات والدول هي نفسها التي تدعو إلى التفاوض مع المجرمين الذين ارتكبوا تلك الجرائم ضدّ الإنسانيِّة، ويبذل بعضُها قصارى جهدها لحمايتهم وللحيلولة دون تدخُّل عسكري لإنقاذ النفوس والأعراض. فهل هذه المزارات أغلى من دماء المسلمين الماليين وأعراضهم وأموالهم؟!!!!  
               إنّ إنقاذَ النفوس في كلّ القوانين أغلى، وأولى، وأحوج إلى اتخاذ قرارات سريعة، وجمع الوسائل الماديّة والمعنويّة للمحافظة على بقائها، وإلى محاربة المفسدين، فهل تتوقَّع ممَّنْ استسهل قتلَ النفس، وهتكَ العِرض، ونهب المال، أن يجد الجمادُ عنده مَكرمًا ؟ !!!!

             لا للهدم بهذا المنهج ولا على أيدي هؤلاء؛ لأنَّ مفاسده أكثر، وضرَره على الإسلام والمسلمين في مالي أشدُّ؛  ولأنَّها سيُعاد بناؤها بشكل أفضل وأخطر، وستجد عناية أكبر، وإنفاقا سخيًّا،  وحراسة أشدَّ. أ,هـ
             أرأيتَ كيف أنَّ ما تقوم به تلك الحركات باسم (تطبيق الشريعة) في مدن شمال مالي إنَّما هو -في الحقيقة- مُحارَبةٌ لله ولرسوله، وسعيٌ في الأرض فسادا، ونِفاقٌ، واستهزاءٌ بالشريعة، وتمييزٌ وتميِيعٌ في تطبيقها، وإضرارٌ  بالإسلام والمسلمين وبخاصة أهل السنَّة والجماعة  في هذه المناطق وفي مالي كلِّه، بل وفي غرب أفريقيا عامَّة !!!!
            إنَّه لأوَّل مرَّة في تاريخ مالي يَستوقفُ شرطيٌ شخصا ويستوجبه بسبب لِحيته وقِصَر ثَوبه، أو امرأةً مُتَحَجِّبة حجابا كاملا لاستجوابها وتفتيشها؛ خشية أن يختفي تحت عَبائتها مُسلَّحٌ من تلك الحركات !!!!! وكم استُغِلَّتْ الظروف وشَغل القيادات الإسلاميَّة لتولية حاقدين على الإسلام مناصب وقيادة ما كان ذلك لِيتمَّ  في الظروف المعادية ؟!!!
                                               ستُبدي لك الأيَّام ما كنت جاهلا           ويأتيك بالأخبار مَن لمْ تُزَوِّد
                                                                                      حسبنا الله ونعم الوكيل
                                                                                                                                  د.هارون ميغا
                                                                                                                                   بماكو 08/01/2013م



هَلْ مِن تطبيقِ الشريعة ما قامت به الحركاتُ المسلَّحة في شمال مالي ؟!

من طرف Abdoul karim CISSE  |  نشر في :  الاثنين, أغسطس 11, 2014 0 تعليقات

هَلْ مِن تطبيقِ الشريعة ما قامت به الحركاتُ المسلَّحة في شمال مالي ؟!




     د.هارون ميغا، بماكو، مالي
بادئ ذي بَداءة لا بدَّ مِن التنبيه على ثلاثة أمور: 
الأوَّل: تتمثَّل مصادر هذا المقال في المشاهدات والمتابعات، وروايات علماء ودعاة لا يزالون في هذه المدن منذ احتلالها إلى الآن لا يخرجون منها إلاّ لضرورة  لكن لا يلبثون أن يعودوا إليها وقد عارضوا-ولا يزالون-  ما يقوم بها تلك الحركات في كلّ لقاء يجمعهم بها. ثمَّ روايات بعض السكّان, منهم النازحون ومَن يخرجون من هذه المدن لحاجة ثمَّ يعودون إليها. كلُّ أولئك بيننا وبينهم تواصل بالاتصالات وبالالتقاء في الاجتماعات  والندوات والمؤتمرات التي عُقِدَتْ في بماكو() .  
الثاني: مِن المُسلَّمات عند كلّ مسلم حقيقي أنّ شريعة الإسلام صالحة لكلّ زمان ومكان، وتُطبَّق بالشروط والضوابط التي استنبطها العلماء من النصوص الشرعيّة وفصَّلوا القول فيها. هذا أمر لا مُحابةَ ولا مُجاملةَ فيه. 
الآخِر: أنَّ ما جرى ويَجري في مدن شمال مالي ممَّا يُسمَّى (تطبيق الشريعة) لا علاقة له –لا من بعيد ولا من قريب- بالتطبيق الحَقِّ للشريعة وإنْ سمَّوه كذلك؛  لأنَّه يفتقد تلك الشروط والضوابط الأساس؛ فضلا عن أنَّه حصر الشريعة الشاملة لكلّ شؤون الحياة حَصرَهَا في بعض الحدود الجنائيَّة وبعض الشكليَّات.
تجد تفصيلا وبيانا عن الأمرين (الثاني والثالث )في الدراسة العلميَّة الموضوعيَّة التي قام بها علماء المجلس الإسلامي الأعلى في مالي. بعنوان: " حمل السلاح لتطبيق الشريعة في العصر الحديث: ما وقع في مالي نموذجا " رمضان 1433هـ يوليو 2012م. شارك في اللجنة العلميَّة المكلَّفة بإعدادها ما لا يقلّ عن عشرين عالما وداعية من مختلف التخصُّصات وحاملي الشهادات العليا والطوائف، ثمَّ تمَّ إقرارها في نقاش مفتوح جمع علماء آخرين من مختلف مناطق مالي. وقد كنتُ مشاركا -بصفة خبير - في كلّ خطوات إعدادها إلى إقرارها.

أمَّا الاستهزاءُ بالشريعة والتمييزُ  والتمييعُ في تطبيقها بمدن شمال مالي على أيدي المسلَّحين فيظهران جَليًّا من خلال الموازنة بين ما جَرى ويَجري في مدينتَيْ غاو  و تنبكتو  و بين ما جَرى ويَجري في مدينة كيدال.
ففي مدينتي غاو  و تنبكتو تجد عندهم: جلدَ الزاني، ورمي المحصَن، والتعزير على التدخين بالضرب أو السجن لمدَّة، وقطع يد السارق، ونوعًا من حدِّ الحِرابة (قطع اليد والرجل مِن خلاف)، ومنعَ الدخان ((Cigarette والتَّبْغ ( Tabac يُستعمَل بالمضغ في الفم) منعُهما بَيعًا واستعمالا، ومنعَ مشاهدة التلفيزيون ، وقطعَ القمصان والسراويل لتكون عند نصف الساق أو أسفل منه، وضربَ النساء في الشارع – في وضح النهار- إن لم تكن تلبس لباسا ساترا حتى البُنَيَّات من 6-8 سنوات، بل وصل الأمر ُ بطائفة قليلة منهم في الفترة الأخيرة إلى تَحسُّس الزينة الخَفِيَّة التي تلبسها المرأة تحت إزارها (على الخاصرة)؛ بحثًا عمَّا قد يُصوِّت من تلك الزينة عند المشي. فضلاً عن سَوْقِهنَّ إلى سجون المسلَّحين التي يُشرِف عليها الرجال القوَّامون، والزواج بالإكراه، و تطليق المرأة من زوجها بالإكراه بسبب تمرُّده على بعض تصرُّفات أولئك المسلَّحين، والتعرُّض بالأذى الجسدي الشديد لمن قد يعترض على بعض تصرُّفاتهم السيِّئة, وهدم المزارات... .إلخ.
أمَّا في مدينة كيدال فتطبيق الشريعة مَحصورٌ فيما يأتي:
- قطع القمصان والسراويل لتكون عند نصف الساق أو أسفل منه.
- حضور الجماعة في المسجد.
- عَدم قَبول التعرُّض للناس أو ممتلكاتهم بأذى من أيٍّ كان.
- منع الدخان ((Cigarette بَيعًا واستعمالا. أمَّا التَّبغُ( Tabac) فَمُباحٌ مُطلَق؛ لأنَّ الإدمان عليه في مجتمع الطوارق عند الرجال والنساء في كلِّ مكان وزمان كالإدمان على شرب الشاي الأخضر.
- توجيه النساء إلى اللباس الساتر والتفريق بينهنَّ وبين الرجال في السوق بتحديد جهة خاصَّة بكلِّ طرف مع إتاحة الفرصة لكلِّ طرف ليشتري من الطرف الآخر.
              هذه هي الأمور التي تُطبَّق فيها الشريعة في مدينة كيدال أمّا ما عَداها فلم يثبت قطُّ تطبيق الشريعة فيها     يَا لَلْعَجَب العُجاب!!!.
               أعتقد أنَّ الإنسان العاقل حتى غير المسلم لَيَحارُ ويَتعبُ في البحث عن جواب لسؤال: لِمَ التمييز في تطبيق الشريعة على ساكني هذه المدن؟      
هل السبب أنَّ كيدال يُسيطر عليها أبناؤها من مجموعة الطوارق وهم يعلمون عِلمَ اليقين أنَّ عند قومهم عادات راسخة مخالفة للشريعة لا يمكن التطرُّق إليها لا من بعيد ولا من قريب ، وأنَّ تطبيق تلك الأحكام عليهم من الصعوبة بمكان؛ خوفًا من ردِّ الفعل والانتقام منهم أو من أُسِرهم عاجلا أو آجلا؛ لأنَّ ثقافة الانتقام والعصبيَّة القبليَّة مُتجذِّرة لديهم() ؛ فعمِلوا بالمثَل: سُدَّ البابَ الذي تأتيك منه الريح واستَرِحْ !!!!! 
أمَّا غاو و تنبكتو فيُسيطر عليهما مجموعةٌ من الطوارق الخانقين على سكَّان المدينتين، ومجموعةٌ من العرب والأفارقة -أكثرهُم ليسوا من المنطقتين- تشبَّعوا بأفكار الخوارج و الغلوِّ في الدين ، وسال لُعابُ طائفة منهم للأموال التي تدفعها الحركتان لمن ينضمُّ إليهما من أبناء هذه المدن وقبائلها؟ أو السببُ تصديقُ ما أعلنه موسى السديد المتحدِّث باسم MNELA في إذاعة فرنسا الدولية عند الانفصال الأوَّل شبه التام بين MNELA وبين أنصار الدين؛   فقد قال- والعُهـدةُ عليه- إنَّ غالبيَّـة الطوارق لا يعرفون من الإسلام إلاّ الاسم؟ أو السببُ هو الاستهزاءُ بالشريعة، والنفاقُ، وتأكيدُ مقولة: إنّ MNELA وأنصار الدين وقاعدة المغرب الإسلامي في الحقيقة وجهان لعملة واحدة وإن اختلف خطابُهما في الظاهر –أحيانا-؟ .
             لكنَّ العَجب قد يزول بإنعام النظر في ثلاثة أمور: 
             الأمر الأوَّل: تذكُّرُ الأعمال الشَّنيعة التي قام بها تلك المجموعات المسلَّحة وبخاصَّة MNELA في مدينتي غاو وتنبكتو بعد السيطرة عليهما حيث لم يحدثْ أقلُّ من عُشرِها في مدينة كيدال،  كنهب الممتلكات الحكومية والأهليّة، وسرقة البنوك والمولِّدات الكهربائيَّة،  واغتصاب النساء، وقتل الأبرياء، وتخريب جميع المؤسَّسات وما فيها !! 
               الأمر الثاني: أنَّ الحقيقة المرَّة التي أصبح واضحا لكلِّ ذي عينين، ومعلنًا عنه بصوت مرتفع جدًّا، ولا ينتطح فيه عنزان، أي لا يختلف فيه اثنان، تلك هي أنَّ  MNELA  العلماني و أنصار الدين  إنَّما هما كاذبان فيما يزعمانه -هُما ومَن معهما من دول ومنظمات- من وجود اختلاف جذري بينهما. إنَّهم  جميعا محاربون لله ولرسوله، وساعون في الأرض فسادا- وإن تفاوتوا في ذلك- .
 الأمر الثالث: حقيقة موقف الدول المجاوِرة لمالي بوركينافاسو، والجزائر، وموريتانيا، وموقف بعض الدول الغربيَّة، والمنظمَّات الدولية (وبخاصَّة التي تُسمِّي نفسَها حقوقيَّة أو مدَنِيَّة ولا تنظر بعينين إلى الجرائم الفظيعة التي أحدثتها هاتان الحركتان)، يكون موقفها جميعا من إعلان الحرب في شمال مالي حيث يستثنون هاتين المجموعتين MNELA  العلماني و أنصار الدين التمييز ي في تطبيق الشريعة يستثنوْنهما من الحرب التي ستُعلن، ويرون حصرها في MUJAO  و AQMI  بحجَّة واهية هي أنّ MNELA  العلماني و أنصار الدين  مواطنون ماليُّون، لهم حقوق ومطالب معقولة لديهم، والآخَرون مواطنون أجانب.  
إنَّ تلك الدول والمنظمَّات الغربية، ودول الجوار لمالي بوركينا فاسو والجزائر وموريتانيا، إنَّما وجدت – منذ البداية- في MNELA  العلماني قَلبا وقالَبا و في أنصار الدين وجدت فيهما كِلَيْهِما: 
1- أنَّهما –في الحقيقة- وجهان لعملة واحدة وإن اختلفتْ الأسماء والصور والملابس. ولذلك تبذل النفس والنفيس في استثنائهما من توجيه الحرب إليهما بحجج واهية منها: أنَّهم مواطنون ماليُّون، لهم حقوق ومطالب معقولة لديهم، والآخَرون مواطنون أجانب.  وأنَّهم أقدر على مواجهة فيMUJAO  و AQMI  لمعرفتهم بالصحراء...إلخ !!!.     
والسؤال: ما بالُ أولئك الذين وقعت عليهم الفظائع؟ إنَّهم مواطنون أقحاح وهم الأغلبيّة، ويعرفون الصحراء حقَّ المعرفة. ثمَّ مَن الذين جاؤوا بـحركتي  MUJAO و AQMI  اللَّتَيْن أصبحتَا –الآن فقط-  أجانب وأعداء، أليس MNELA  العِلماني و أنصار الدين ؟ بلى.
2 – وجدتْ أنَّ العلاقة بينهما تقوم على لعبَة أساسها مرحلتان: مرحلة ظاهرها العَداء وباطنها التعاون والاتحاد مهما اختلفت الوسائل. ومرحلة أساسها: إن خسِِرتَ MNELA العِلماني فلا تخسَرْ أنصار الدين؛ لأنَّ الغنيمةَ والدَّمَ غنيمتُك ودمُك على كلِّ حال، وحيثُ كانَا !!!
3- وجدَتْ في موقفهما ذلك الاستهزاء بالشريعة، والتمييز في التطبيق، والفساد في الأرض باسم التحرير وحقِّ المواطنة.
شرُّ البِلية أن تستدلَّ لوجود الشمس، ومع ذلك هاك بعض الأدلَّة على أنَّ MNELA  العِلماني وأنصار الدين وجهان لعملة واحدة منذ البداية: 
أ‌- في 6/5/2021م أعلنت الحركتان MNELA و أنصار الدين وبحضور عدد من فقهاء الطوارق عن الاتفاق والتوصل إلى   حل يرضي الطرفين، تمثَّل في ثلاثة بنود رئيسة:
       - دمج حركة أنصار الدين داخل مشروع دولة الطوارق المزعومة في شمال مالي.
      - قبول تطبيق الشريعة الإسلامية المعتدلة فيها
      - إبعاد جميع الأجانب في الحركات المسلحة عن شمال مالي
        ثمَّ جاء ما ظهر كأنَّه طلاق بائن بينهما بسبب الانتقادات الحادَّة التي تعرضت لها كلٌّ من الحركتين  MNELA        و أنصار الدين من قِبَل مُموِّليها ومن بعض كبار اللاعبين في السَّاحة.
ب- لا تجد في كيدال عَلمَ دولة مالي، ولا يُسمَحُ إلاّ برفع عَلَم حركات الجهاد (اللون الأسود في وسطها كلمة الشهادة)، مع العِلم بأنَّ حركة أنصار الدين الطارقية هي المسيطرة عليها وهي تزعم البقاء في مالي موحَّدة!!!! 
ج-  ألم تسمع مؤخَّرا –الأسبوع الأوَّل من شهر ديسمبر 2012م-  أنَّ المئات من مقاتلي الطوارق من  MNELA العِلماني والانفصالي قد انضمُّوا إلى أنصار الدين والمتظاهر بعدَم الانفصال؛ وذلك بعد خسائر  MNELA في معارك مِنَكَا.
د- بعد صدور ما يُسمَّى بقرار موافقة مجلس الأمن (2085) على إرسال قوَّات إفريقيَّة إلى مالي لتحرير شماله ظهر إعلان الحركتين عن اتفاق بينهما يوم الجمعة 21/12/2012م وفي الجزائر –كعادتها دائما - انتهى بالاندماج بينهما سياسيا وعسكريا. والحقيقة أنَّ هذا الاندماج ليس جديدا وإنَّما صار –الآنَ- جهارا نهارا وبأسلوب واضح بعد أن كان يتمُّ في الخفاء وبأساليب مُلتَوِية. وراءه موقف جزائري مشهور ومعهود لشيء في نفس يعقوب.
وقد جاء قرار مجلس الأمن المذكور –أصلا- في صالح  MNELA  العِلماني و أنصار الدين  وبقيَّة المسلَّحين في الشمال من عدَّة نواحٍ؛ فهو لم يُحدِّدْ تاريخا لِبدْء العمليَّات أو حتى لوصول القوَّات المساندة لقوّات مالي، وإن أُشيع بأنَّ السبب هو السرِّيَّة العسكريَّة.  وحدَّد مرحلتين –بدون تاريخ- أُولاهما لتدريب قوَّات مالي، والأخرى لتدريب القوَّات الأفريقيَّة. ولم يضعْ تاريخا لتسديد ما تبقَّى من تكاليف العمليَّات. واقترح إجراء انتخابات قبل تحرير الشمال. 
إنَّ كلَّ واحد من هذه الأمور في صالح المحاربين الطوارق والجماعات المسلَّحة الأخرى، وفيها تكبيلٌ للماليين حكومةً وشعبا وجيْشًا ؟!!! ومَنْ يقرأ المماطلة في مواقف الأمم المتحدَّة ومجلس الأمن في الأحداث العالميَّة كقضيَّة فلسطين، ومشكلة الصومال،  وكونغو الديمقراطيَّة، والعراق، ومينمار... لا يستغرب مثْلَ هذا؛ لأنَّها تأتي دائما في صالح المُعتدِي لا في صالح المُعتدَى عليه!!!  والأسَف أنَّ الماليين شعبا وحكومةً ومنظمة دول غرب أفريقيا والاتحاد الإفريقي لم يَستفيدوا من تلك المماطلة في المواقف فاستغاثوا من الرمضاء بالنَّار نارِ المصالح الخاصَّة بكُلِّ دولة والمكاسب والفوائد التي ستجنيها؛ فالمنطلق هو رابح -رابح (Gagnant- Gagnant ) الربح المتبادل، أي المساعدة مقابِل ربح.
            أرأيتَ كيف أنَّ موقف الحركتين مما يُسمَّى بتطبيق الشريعة في مدن شمال مالي إنَّما هو -في الحقيقة- نِفاقٌ، ومُحارَبةٌ لله ولرسوله، واستهزاءٌ بالشريعة، وتمييزٌ وتميِيعٌ في تطبيقها وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( واللهِ لو أنَّ فاطمةَ بنت محمد سرقت لقطعتُ يدَها)) أو كما قال!!!! 
هذا وحده هو الذي يُمكن أن يشرح حقيقة موقف الدول المجاوِرة لمالي بوركينافاسو، والجزائر، وموريتانيا، وموقف بعض الدول الغربيَّة، والمنظمَّات الدولية من استثناء MNELA  العلماني و أنصار الدين من الحرب المعلَنَة؛ إذ وجدتْ فيهما منذ الانطلاق  أنَّهما –في الحقيقة- وجهان لعملة واحدة وإن اختلفتْ الأسماء والصور والملابس. وأنّهما بإعلانهما الاتفاق ثم  الانفصال، وقبولهما بالتفاوض والبراءة من الحركات المسلَّحة الأخرى( حركة التوحيد والجهاد MUJAO و قاعدة المغرب الإسلامي AQMI )  ثمَّ إعلان الانسحاب من التفاوض كما فعلتْ أنصار الدين في 03/01/2013م  بِحجَّة عَدَم جديَّة حكومة مالي وعَدم وضوح  عدم موقفها!!
 كلُّ هذه التحرُّكات التي تُقدَّم فيها رِجْلٌ وتؤخَّر أخرى إنَّما هي –في الحقيقة وعلى أرض الواقع-  مماطلة، وذَرٌّ  للرماد في العيون، ودليلٌ قاطع على أنَّ دعوى الانسلاخ عن تلك الحركات مستحيلة  على أرض الواقع وفي العقل؛ إذ يترتَّب عليها خَيارٌ صعب ومستحيل  هو الدخول في اقتتال مع تلك الحركات التي لم تأتِ MNELA  العِلماني و أنصار الدين إلاَّ على أكتافها. ألمْ ترَ إعلان تعاون أنصار الدين وقاعدة المغرب الإسلامي عن محاربة كلّ حركة مسلَّحة في شمال مالي ليست من الحركات الإسلاميَّة فبدأت المواجهة بينهما وبين الحركة العربيّة الأزواديّة في 02/01/2013م على حدود مالي والجزائر ثمَّ على حدود مالي وموريتانيا وأخيرا تحرُّكهما يوم 06/01/2013م تجاه سفاري!!!
  إنّ على العقلاء من مالي حكومةً وشعبًا، وعلى العقلاء من غيرهم حكوماتٍ وشعوبًا، ومنظَّماتٍ دوليَّة أُمَميَّة، وأهليَّة أو حكوميَّة، ألاَّ يغترُّوا بهذا الضجيج الصاخب بين الحركتين؛ فإنَّ وراء الأكمة ما وراءها، عليهم جميعا وعلى الماليين خاصة أن يتكاتفوا ويُسَّرِعوا الخطوات لإزالة الضرر والشرّ وأهلهما من أراضي مالي وشعبها اليومَ قبل غدٍ وإن كان غدٌ لناظره قريبا. فقد حصحص الحق، وانكشف الغطاء، ولم يبقَ  ما يمكن إخفاؤه فيما يتعلَّق بحقيقة أنَّ الحركتين وجهان لعملة واحدة، وببعض الدول والمنظمَّات الدوليَّة التي وعَتْ هذه الحقيقة من البداية فأردات التسلُّق عليهما للوصول إلى أهدافها. وقد تبيَّن –أيضا- الاستهزاءُ بالشريعة، والنفاقُ والتمييزُ في تطبيقها؛  فعلى أبناء مالي حكومةً وشعبًا ألاَّ يُلدغوا مرَّتين؛ إذ لا يُلدغ المؤمن من جُحر مرَّتين أي لا يقع العاقل الحصيف البعيد النظر في الخطأ نفسه مرَّتين ؟؟؟
              بقي في تطبيق الشريعة: ما يتعلَّق بِهدم المزارات؟            
              إنَّ هذا –أيضا- لم يحدث منه شيء في مدينة كِيدال، لكنَّ الأهمّ هو:  ما الصورة الحقيقيَّة لها وما ذا يترتَّب عن هدمها؟
          لِتَتضِّح الصورة أنقلُ ما كتبتُه بتاريخ 03/7/2012م 13/8/1433هـ بعنوان: " كلمة في هدم المزارات بتنبكتو" وتمَّ توزيعه على عدد من العلماء والدعاة من مختلف الطوائف وبعض الهيئات، جاء فيها:
شهد العالم كلُّه منذ يوم الأحد 1/7/2012م، 21/8/1433هـ ما قامت به الحركات المسيطرة على مدينة تنبكتو كأنصار الدين وغيرها مِنْ هدمٍ لِمزاراتٍ أقيمت على قبور في أطراف المدينة أو داخل بعض مساجدها()؛ فأردتُ أن أقف –في عُجالة- وقفات قصيرة عند الموضوع؛ فبالله التوفيق وعليه التكلان.
لا بدَّ –بداءةً- من أربع وقفات، هي:
الوقفة الأولى: لا شكَّ في أنّ زيارة القبور مشروعة في الإسلام؛ للاتعاظ، وللسلام على أهلها والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة. أمَّا زيارتُها لعبادة أهلها بأيِّ نوع من العبادة، كالاستعانة والاستغاثة بهم، وتقريب الصدقات والقرابين لهم... فشرك بالله تعالى.
الوقفة الثانية: لا شكَّ في أنَّ كثيرا من أهل تنبكتو يعتقدون في أصحابها القدرة على مساعدتهم وحفظهم من الشرور، بل ويعتقدون أنّها تحفظ المدينة من الأشرار والشِّرِّرين؛ ولذلك تَجِد في كلّ جهة من المدينة مقبرة أو مقابر يعتقدون أنَّ صاحبها يحفظ المدينة من ناحيته. وأبرز وقت لظهور ذلك صبيحة الجمعة وأيّام المولد التي كان يظهر فيها –سابقا- الكثير من المفاسد الخطيرة والمنكرات العظيمة منها أن تجد امرأة لا تكاد تخرج من بيتها بقيّة أيّام السنة حتى إذا جاءت أيّام المولد خرجت وأباحت لنفسها كلَّ مخالفة شرعيّة لدرجة لا تكاد تمنع إزارَها من أيّ طالب.
لكنَّ هذا الاعتقاد والتصرُّفات شهدت – في السنوات العشرين الأخيرة() – تغييرات إيجابيَّة؛ بسبب جهود عدد من الدعاة السنِّيين في المدينة من أبنائها؛ ومشاركاتهم في الوعظ بالمساجد والجلسات والإذاعات المحليَّة؛ وبدورات علميّة ودعويّة تُقام فيها؛ وبظهور مدارس إسلاميّة نظاميّة تُدرِّس العقيدة الصحيحة على منهج السلف الصالح؛ ثمَّ بسبب القنوات الفضائيّة الإسلاميَّة التي يشاهدها كثير من الناس في هذه المدينة، وغيرها.
الوقفة الثالثة:  أنَّ أُناسا كثيرين إنَّما يُتاجِرون بها؛ حيث اتَّخذوها موردا لكسب الأموال والمكانة الاجتماعيَّة.  
الوقفة الرابعة: أنَّ الزائرين لهذه المقابر من المسلمين ثلاثة أنواع:
الفريق الأوَّل يزورها الزيارة الشرعيّة الصحيحة؛ للاتعاظ، وللسلام على أهلها والدعاء لهم.  ولعلَّ نسبته المئوية –في الآونة الأخيرة- لا تقلُّ عن 30%  من المئة، تقريبا.
الفريق الثاني يزورها لدعاء أهلها والاستغاثة والاستعانة بهم في كلّ ما يتعلَّق بحياتهم، وتقريب بعض القربات لهم. ولعلَّ نسبته تُقارِب40% من المئة، وقد كانت نسبتُهم في زيارتي الأولى لهذه المدينة عام 1995م() لا تقلُّ عن 50% من المئة.
الفريق الثالث يزورها إمَّعةً أو على أساس –فقط- أنّها من معالم المدينة. ولعلَّ نسبته لا تقلُّ عن 25% من المئة. أمّا الخمسة 5% من المئة المتبقية فلا أستطيع تصنيفها.
وبإنعام النظر في أهداف الزيارة وفي النِّسَب التقريبيّة السابقة يتضح أمور:
1- قِلَّة عَددِ الذين يَزورونها لتقديم نوٍع من العبادة لأصحابها مقارنةً بغيرهم، وبخاصَّة إذا تذكَّرنا أنَّ طائفةً من الفريق الثاني جَهَلة.
2- غالبيَّةُ زائريها لا يعتقدون فيها، وبخاصَّة الفريق الأوَّل والثالث وبعض الفريق الثاني، أي ما لا تقلُّ نسبتُه عن 55% من المئة.
أمَّا بعض المساجد التي فيها مقابر مثل جِنْغَرَي بير، وسانكوري، وسيدي يحي؛ فإنّ هذه المقابر لم تكن في الأصل داخل المساجد بل كانت خارجها إمّا في الطرف الغربي أو الشمالي أو الجنوبي، ثمّ أصبحتْ جزءا من المساجد بالتوسُّعات التي شهدتْها حتى صار بعض صفوف الصلاة خلفَها.
                لِذلكَ كلِّه يبدو لي أنَّ هدم تلك الحركات لها أكثرُ ضررًا على الإسلام والمسلمين وأشدُّ لما يأتي:
أ- أنَّ هدمَها أدَّى إلى اعتبارها تراثا عالميا، ومعنى ذلك إعادة بنائها، والعناية بها والمحافظة والإنفاق عليها بشكل أكبر وأوسع ممَّا كانت عليه قبل الهدم، بل لا نستبعد أن تخرج عن سيطرة الماليين، والقواعد الإسلاميَّة تأمرنا بـــ "الأخذ بأخفِّ الضَّرَرين" و "دَرْء المفاسد مُقَدَّم على جَلبِ المصالح"  و "الضَّرَر لا يُزال بِضرَرٍ أشدَّ منه"....إلخ.
والمسلم العاقل الواعي-كما يقول ابن تيمية رحمه الله- ليس مَن يعرف الخيرين والشَّرَّين وإنَّما هو مَن يعرفُ خيرَ الخَيرين وشرَّ الشَّرَّين. 
ب- إضعاف جانب دعاة أهل السنَّة والجماعة الذين يدعون إلى تغيير الجانب السيئ من زيارتها بالحكمة والموعظة الحسنة؛ بتصويرهم في صورة برابرة ضدَّ كلِّ ما هو إنسانيّ وبأنَّهم وَهَّابيون دعاة إلى دين دخيل على أفريقيا مِثْلَما كان يُقال من تُهَمٍ في بداءات النهضة السنِّيَّة بهذه البلاد وغيرها من مناطق غرب أفريقيا.
ج- تأجيج الصراع بين هذه الطائفة وبين المدافعين عن هذه المزارات والمتاجرين بها سواء باسم الدين أم باسم التراث الإنساني العالمي أم باسم السياحة من داخل مالي وخارجها.
هذا الموقف هو الذي ينبغي-في رأيي- أن يقفه المسلم المالي العاقل الواعي المُخْلِص لدينه ووطنه، وأن يقفه -أيضا- كلُّ مَن يهتمّ بالإنسان وبشؤونه العامَّة والخاصَّة، ويزن الأمور بموازين "درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح"  و "الأخذ بأخفِّ الضَّرَرين"، و "الضَّرَر لا يُزال بضرَر أشدَّ منه"....إلخ.
 لكنَّ الأغرب- حقًّا- أن نجد في ربوع العالم كلِّه بحكوماته ومنظمَّاته الدولية والحقوقيَّة ردًّا عنيفا وسريعا جدًّا، واحتجاجات مُضَوِيَّة على مدار الساعة، واجتماعات عاجلة؛ للتنديد بهدم هذه المزارات، بل والقرارات المتَّخذة بسرعة فائقة في غضون 72 ساعة للمطالبة بجمع الأموال ومساعدة مالي على إعادة بنائها. 
كلُّ ذلك ما لم نجد ثُلثَه لمَّا تعرَّضتْ النفوس للإزهاق، والأعراض للانتهاك، والأموال للنهب، والممتلكات للتخريب، في أغلوق، وغاو، وكبرا، وغيرها، لم نجد ثُلثَه لا مِن قِبَل الأمم المتحدَّة ومنظمّاتها، ولا مِن قِبَل المنظمات الدولية والدول الإسلاميّة وحكوماتها التي استقيظت-الآن فقط- أليست تلك المنظمَّات والدول هي نفسها التي تدعو إلى التفاوض مع المجرمين الذين ارتكبوا تلك الجرائم ضدّ الإنسانيِّة، ويبذل بعضُها قصارى جهدها لحمايتهم وللحيلولة دون تدخُّل عسكري لإنقاذ النفوس والأعراض. فهل هذه المزارات أغلى من دماء المسلمين الماليين وأعراضهم وأموالهم؟!!!!  
               إنّ إنقاذَ النفوس في كلّ القوانين أغلى، وأولى، وأحوج إلى اتخاذ قرارات سريعة، وجمع الوسائل الماديّة والمعنويّة للمحافظة على بقائها، وإلى محاربة المفسدين، فهل تتوقَّع ممَّنْ استسهل قتلَ النفس، وهتكَ العِرض، ونهب المال، أن يجد الجمادُ عنده مَكرمًا ؟ !!!!

             لا للهدم بهذا المنهج ولا على أيدي هؤلاء؛ لأنَّ مفاسده أكثر، وضرَره على الإسلام والمسلمين في مالي أشدُّ؛  ولأنَّها سيُعاد بناؤها بشكل أفضل وأخطر، وستجد عناية أكبر، وإنفاقا سخيًّا،  وحراسة أشدَّ. أ,هـ
             أرأيتَ كيف أنَّ ما تقوم به تلك الحركات باسم (تطبيق الشريعة) في مدن شمال مالي إنَّما هو -في الحقيقة- مُحارَبةٌ لله ولرسوله، وسعيٌ في الأرض فسادا، ونِفاقٌ، واستهزاءٌ بالشريعة، وتمييزٌ وتميِيعٌ في تطبيقها، وإضرارٌ  بالإسلام والمسلمين وبخاصة أهل السنَّة والجماعة  في هذه المناطق وفي مالي كلِّه، بل وفي غرب أفريقيا عامَّة !!!!
            إنَّه لأوَّل مرَّة في تاريخ مالي يَستوقفُ شرطيٌ شخصا ويستوجبه بسبب لِحيته وقِصَر ثَوبه، أو امرأةً مُتَحَجِّبة حجابا كاملا لاستجوابها وتفتيشها؛ خشية أن يختفي تحت عَبائتها مُسلَّحٌ من تلك الحركات !!!!! وكم استُغِلَّتْ الظروف وشَغل القيادات الإسلاميَّة لتولية حاقدين على الإسلام مناصب وقيادة ما كان ذلك لِيتمَّ  في الظروف المعادية ؟!!!
                                               ستُبدي لك الأيَّام ما كنت جاهلا           ويأتيك بالأخبار مَن لمْ تُزَوِّد
                                                                                      حسبنا الله ونعم الوكيل
                                                                                                                                  د.هارون ميغا
                                                                                                                                   بماكو 08/01/2013م



0 التعليقات:

الاعضاء

Latest Tweets

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Sample Video Widget

جميع الحقوق محفوظة. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

ترجمة

كتابا

المدونات

back to top