جميع المواضيع



بدأ الحديث عن صدام أو صراع الحضارات يشغل بال الكثيرين من الاستراتيجيين والمهتمين بالشأن الدولي وبمسألة العلاقات الدولية تحديداً، حيث بات يشغل جزءاً كبيراً من المساحات الإعلامية ـ المقروءة والمكتوبة ـ المخصصة لمعالجة القضايا الدولية، وصار أحد أهم القضايا الكبرى التي تشغل بال المفكرين وصناع القرار في مختلف أنحاء العالم ، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن والتداعيات المرافقة لها.

فما هي حقيقة هذا الصراع، وما هي منطلقاته، وما هو موقف الإسلام منه، وكذلك ما هي تداعياته المتوقعة؟

ما معنى الحضارة؟
لا شك أنَّ المصطلحات الرائجة في هذا الحقل مثل المدنية والثقافة والحضارة غير محددة، وللحضارة وحدها تعاريف كثيرة جداً… وإذا اكتفينا بما تلقيه كلمة الحضارة في الأذهان وهو تقدم المجتمع البشري… فهل تقدم المجتمعات البشرية في الحقول المادية هو حضارة ؟ هناك من يرفض ذلك، ولعل المنطق القرآني يرفضه أيضاً. فالبناء المادي مرفوض إذا لم يكن قائماً على أساس معايير إنسانية أو على معايير التقوى بالتعبير القرآني : ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله وأطيعون ) [الشعراء 128-131] . فالقوة المادية تكون سبب البطش والتجبر إذا لم تكن مقرونة بقيم ذات رصيد ديني.
وليس بعيداً عما سبق ذكره، فإنه ليس ثمة إجماع على مفهوم الحضارة، فضلاً عن أنَّ بعضهم يماهي بين هذا المفهوم وبين مفهوم الثقافة، كما أنَّ تصنيفات الحضارة تتفاوت تبعاً لتفاوت المعايير، الأمر الذي من شأنه أن يخلق تناقضات وإرباكات حادة عند الحديث عن صدام الحضارات أو حتى حوارها.

نظرية صراع الحضارات

من طرف Abdoul karim CISSE  |  نشر في :  الثلاثاء, أبريل 15, 2014 0 تعليقات



بدأ الحديث عن صدام أو صراع الحضارات يشغل بال الكثيرين من الاستراتيجيين والمهتمين بالشأن الدولي وبمسألة العلاقات الدولية تحديداً، حيث بات يشغل جزءاً كبيراً من المساحات الإعلامية ـ المقروءة والمكتوبة ـ المخصصة لمعالجة القضايا الدولية، وصار أحد أهم القضايا الكبرى التي تشغل بال المفكرين وصناع القرار في مختلف أنحاء العالم ، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن والتداعيات المرافقة لها.

فما هي حقيقة هذا الصراع، وما هي منطلقاته، وما هو موقف الإسلام منه، وكذلك ما هي تداعياته المتوقعة؟

ما معنى الحضارة؟
لا شك أنَّ المصطلحات الرائجة في هذا الحقل مثل المدنية والثقافة والحضارة غير محددة، وللحضارة وحدها تعاريف كثيرة جداً… وإذا اكتفينا بما تلقيه كلمة الحضارة في الأذهان وهو تقدم المجتمع البشري… فهل تقدم المجتمعات البشرية في الحقول المادية هو حضارة ؟ هناك من يرفض ذلك، ولعل المنطق القرآني يرفضه أيضاً. فالبناء المادي مرفوض إذا لم يكن قائماً على أساس معايير إنسانية أو على معايير التقوى بالتعبير القرآني : ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله وأطيعون ) [الشعراء 128-131] . فالقوة المادية تكون سبب البطش والتجبر إذا لم تكن مقرونة بقيم ذات رصيد ديني.
وليس بعيداً عما سبق ذكره، فإنه ليس ثمة إجماع على مفهوم الحضارة، فضلاً عن أنَّ بعضهم يماهي بين هذا المفهوم وبين مفهوم الثقافة، كما أنَّ تصنيفات الحضارة تتفاوت تبعاً لتفاوت المعايير، الأمر الذي من شأنه أن يخلق تناقضات وإرباكات حادة عند الحديث عن صدام الحضارات أو حتى حوارها.

0 التعليقات:

مفهوم الإرهاب وموقف الإسلام منه


بداية لابد من الإقرار بأن هناك عدداً كبيراً جداً من التعريفات لمفهوم الإرهاب - رصد بعض الباحثين أكثر من 900 تعريف للإرهاب - وذلك بحكم تعقد الظاهرة وتعدد مستوياتها وتباين وجهات النظر بشأنها، سواء بالنسبة للأشخاص أو القوى السياسية أو الدول التي تواجهها، بالإضافة إلى تداخل الاعتبارات السياسية مع الاعتبارات الموضوعية الأخرى. ومن هنا يبدو أن لكل طرف – شخصاً أو حزباً أو دولة – رؤيته الخاصة لهذه الظاهرة والمختلفة عن رؤى الآخرين، وذلك انطلاقاً من المقولة الشائعة التي ترى أن (الإرهابي في نظر البعض هو مقاتل من أجل الحرية في نظر البعض الآخر).
ولهذا فإنه ليس من الصعب إنشاء تعريف مقبول ضمن أوساط جماعة متآلفة بعينها، وأما المشكلة فتبدأ حين تحاول تلك المجموعة الانخراط في حوار مع الآخرين.
"ولأن الإرهاب ينطوي على مشاعر بالغة الحدة، تعود جزئياً إلى رد الفعل على الأهوال المقترنة به، وتعود في جزئها الثاني إلى سياقه الأيديولوجي، فإن من الصعوبة العثور على تعريف دقيق يضمن توافق جميع الأطراف المشاركة في النقاش...إن أكبر العوائق أمام الدراسة الجادة للإرهاب هي أن الإرهاب في الجوهر مشكلة أخلاقية. وهذا واحد من أبرز الأسباب الكامنة في صعوبة التوصل إلى تعريف للإرهاب"(1)
وهناك عدة إشكاليات تعوق الوصول إلى مفهوم متفق عليه نحو الإرهاب يتمثل أهمها فيما يلي:(2 )
أولاً: إشكاليات على المستوى النظر: تتصل بالمفاهيم والمعاني والأطر، وهى تشمل عدة إشكاليات أهمها: عدم وجود إجماع بين الباحثين حول مفهوم الإرهاب بسبب تباين الثقافات والأهداف – تداخل مفهوم الإرهاب مع عدد من المفاهيم القريبة في المعنى مثل مفاهيم: العنف السياسي أو الجريمة السياسية أو الجريمة المنظمة أو التطرف - أن مفهوم الإرهاب ديناميكي ومتطور تختلف صوره وأشكاله ودوافعه باختلاف الزمان والمكان.
ثانياً: إشكالية على المستوى المنهجي: فغالبية ما كتب حول الظاهرة من بحوث ودراسات تتصف بأنها ذات طابع نظري عام يصف الظاهرة دون استخدام المناهج العلمية الدقيقة.
ثالثاً: إشكالية غياب الموضوعية في تحليل ظاهرة الإرهاب.
رابعاً: إشكالية غياب التكوين المعرفي حول هذه الظاهرة: فالدراسات حولها ذات طابع سيأسى وقانوني فقط، ولذا لابد من قيام تخصص جديد يستند على التداخل المعرفي والمنهجي بين علوم الاجتماع والسياسة والانثروبولوجيا والاقتصاد وغيرها، لرصد وتحليل الظاهرة من أبعاد منهجية متعددة للكشف عن ماهيتها وأسبابها وطرق التصدي لها.
ويمكن أن نضيف إلى الإشكاليات السابقة بعض الأسباب الجزئية التي تحول دون التوصل إلى تعريف محدد لمفهوم الإرهاب والتي أهمها:(3)
1- اختلاف المفاهيم والرؤى حول العنف والإرهاب والمعايير المتصلة بهما.
2- استفادة بعض الدول من ذوبان هذه المفاهيم وعدم تحديدها، وخاصة أمريكا وإسرائيل، وذلك للتحرك السياسي والعسكري والاقتصادي ضمن مفهوم فضفاض يفصلونه حسب مرادهم.
3- استفادة بعض الحكومات المحلية لتصفية خصوماتها تحت طائلة هذه المفاهيم غير المحددة.
4- غلبة الفكر البرجماتي المادي القائم على مفاهيم نفاقية (الوصول للكسب بأي طريقة – تطبيق معايير مزدوجة – النسبية الأخلاقية) ومن أبشع من يطبق هذه المفاهيم الحكومة الأمريكية ومن خلفها اللوبي اليهودي.

معنى الإرهاب في اللغة
" تكاد تتفق المراجع الأجنبية على أن مصدر كلمة Terrorism في اللغة الإنجليزية هو الفعل اللاتيني Ters الذي استمدت منه كلمة Terror أي الرعب أو الخوف الشديد "(4)
أما فى اللغة العربية فقد " اشتقت كلمة إرهاب من الفعل المزيد (أرهب) ويقال أرهب فلان فلاناً أي خوفه وأفزعه، وهو نفس المعنى الذي يدل عليه الفعل المضعف (رهّب) أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو (رهب) يرهب رهبة ورهباً فيعنى خاف، فيقال رهب الشيء رهباً ورهبة أي خافه، أما الفعل المزيد بالتاء (ترهب) فيعنى انقطع للعبادة في صومعته، ويشتق منه الراهب والرهبانية ..الخ، وكذلك يستعمل الفعل ترهب بمعنى توعد إذا كان متعدياً فيقال: ترهب فلاناً: أي توعده، وكذلك تستعمل اللغة العربية صيغة (استفعل) من نفس المادة فتقول استرهب فلاناً أي أرهبه "(5 )
تعريف مصطلح الإرهاب
على الرغم من وجود اثنتي عشرة اتفاقية دولية حول الإرهاب، فإن المجتمع الدولي لما يتوصل بعد إلى تعريف محدد لمفهوم الإرهاب الذي تدور حوله كل تلك الاتفاقيات والقرارات.
ولأن مفهوم الإرهاب تحول إلى إشكالية معقدة، فإن الناس رضوا بالتوصيف لا التعريف، والتوصيف مرتبط بذوات الأحداث لا بذات الظاهرة. ومما يعمق الإشكالية تعدد مثيرات الإرهاب، إذ أن لكل مثير حيثياته ومغايرته، وباختلاف المثير يختلف المفهوم والموقف.
"وفى ظل تعدد الأسباب والمفاهيم والمكاييل والحياد والانحياز السلبيين تبدت للمتابع عشرات الرؤى والتصورات المعمقة للإشكالية بحيث لم تكن وقفاً على التعريف، وإنما هي في المفاهيم والمواقف. فجذر (رهب) من حيث (لغويته) يعنى التخويف والقمع، ومن حيث (إجراؤه) يعنى مباشرة الاعتداء، ومن حيث (الممارسة) يكون فردياً وجمعياً ودولياً، ومن حيث (الأهداف) يكون ضد أي كيان سياسي أو ديني أو عرقي، ومن حيث (الدوافع) يكون بسبب اضطهاد أو اعتداء أو انحياز أو هو مبدئي تمليه أيديولوجية معينة وتفرضه نحلة متطرفة، ومن حيث (النتائج) يؤدى إلى الفوضى والاضطراب واختلال الأمن والتخلف. إذ هناك مسلمات لا يختلف حولها أحد، وحين نفرق بين الدلالة والمفهوم نكون قد وضعنا المؤشر على المفصل "(6 )
"نحن إذن بصدد تشوش في الحقل الدلالي. وهو تشوش غير قابل للاختزال في الحدود بين المفاهيم ... وكل هذه الأشياء لا يجب التعامل معها باعتبارها مجرد خلل في التنظير أو فوضى في المفاهيم ... فعلى العكس من ذلك، يجب أن نرى فيها استراتيجيات وعلاقات القوى. فالقوى المهيمنة هي القوى التي تتمكن في ظروف معينة من فرض تسمياتها ومن ثم فرض التأويل الذي يناسبها وبالتالي إضفاء الشرعية على هذه التسميات بل وتقنينها "( 7)
ومن هنا، " فإن الطابع الزلق لمفهوم الإرهاب (أياً كان تعريفه في نهاية المطاف) يتبدى على أوضح صورة في استخدامه الانتقائي، وخصوصاً استخدامه الانتقائي الإزدرائى."( 8) وهذا هو نفس ما يؤكده فيلسوف التفكيك الفر نسى جاك دريدا قائلاً إنه " كلما ازداد المفهوم غموضاً كلما أصبح عرضة للتطويع الانتهازي ... فقد أمكن الإشادة بإرهابيين باعتبارهم مكافحين من أجل الحرية – في سياق المقاومة ضد الاحتلال السوفيتي في أفغانستان على سبيل المثال – وجرى التنديد بهم باعتبارهم إرهابيين في سياق آخر."( 9)
ومما لا شك فيه أن المصطلحات التي تستخدم لوصف حدث تاريخي معين هي التي تحدد فهمنا له، وإذا جردناها من التحديد فإن الكلمات تصبح حواجز أمام المعرفة، وهذا ما هو حاصل الآن عندما يناقش موضوع الإرهاب وتختلف النظرة إليه بين العرب والغربيين. ويتبدى ذلك بوضوح عند استعراضنا لبعض التعريفات التي قدمت لمفهوم الإرهاب سواء في الغرب أو الشرق، وسواء من قبل أفراد أو منظمات، والتي منها:
1- تعرف موسوعة Encarta الإلكترونية الإرهاب Terrorism بأنه: استعمال العنف أو التهديد باستعماله من أجل إحداث جو من الذعر بين أناس معينين يستهدف مجموعات عرقية أو دينية أو حكومات أو أحزاباً سياسية أو غيرها.(10 )
2- الإرهاب هو عنف منظم ومتصل بقصد خلق حالة من التهديد العام، الموجه إلى دولة أو جماعة سياسية، والذي ترتكبه جماعة منظمة بقصد تحقيق أهداف سياسية.( 11)
3- تعريف ثورنتون: الإرهاب فعل رمزي يراد منه التأثير في السلوك السياسي عن طريق وسائل غير عادية تنطوي على استخدام التهديد بالعنف.( 12)
4- الإرهاب هو استعمال العنف أو التهديد باستعماله ضد الأفراد أو الجماعات أو الدولة بغية تحقيق هدف غير مشروع يؤثر على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة والتي أقرها المجتمع.( 13)
5- الإرهاب هو استخدام العنف من جانب الجماعات غير الحكومية من أجل انجاز أهداف سياسية.( 14)
6- تعريف كرينشاو: الاستعمال المنظم للعنف السياسي غير التقليدي بواسطة مجموعات تآمرية صغيرة بهدف التأثير في الاتجاهات السياسية.( 15)
7-      تعريف لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي لمجلس الشورى المصري الإرهاب بأنه: استعمال العنف - بأشكاله المادية وغير المادية - للتأثير على الأفراد أو المجموعات أو الحكومات، وخلق مناخ من الاضطراب وعدم الأمن، بغية تحقيق هدف معين، يرتبط بتوجهات الجماعات الإرهابية، لكنه - بصفة عامة - يتضمن تأثيراً على المعتقدات أو القيم أو الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية السائدة، التي تم التوافق عليها في الدولة والتي تمثل مصلحة قومية عليا للوطن.( 16)
8- تعريف الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة بالقاهرة عام 1998: كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردى أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.( 17)
9- تعريف المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة في دورته السادسة عشرة المنعقدة في الفترة من 5-11/1/2002م: العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان – دينه، ودمه، وعقله، وماله – بغير حق، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردى أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أموالهم للخطر. ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}( 18)
10- يعرف مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية الإرهاب بأنه: الاستخدام غير المشروع للقوة أو العنف من قبل مجموعة من الأفراد، لهم صلة ما بدولة أجنبية، أو تتجاوز أنشطتهم الحدود القومية، ضد أشخاص وممتلكات، لترويع أو إكراه حكومة ما والسكان المدنيين أو أي جزء منها، لتعزيز أهداف سياسية أو اجتماعية. ( 19)
11- تعريف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) عام 1980: التهديد الناشئ عن عنف من قبل أفراد أو جماعات.
12- تعريف وزارة العدل الأمريكية عام 1984: أسلوب جنائي عنيف يقصد به بوضوح التأثير على حكومة ما عن طريق الاغتيالات أو الخطف.
13- تعريف وزارة الدفاع الأمريكية عام 1986: الاستعمال أو التهديد غير المشروع للقوة ضد الأشخاص أو الأموال، غالباً لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو عقائدية.
14- تعريف وزارة الخارجية الأمريكية عام 1988: عنف ذو باعث سياسي يرتكب عن سابق تصور وتصميم وضد أهداف غير حربية من قبل مجموعات وطنية فرعية أو عملاء دولة سريين، ويقصد به عادة التأثير على جمهور ما.
15- تعريف مكتب جمهورية ألمانيا الاتحادية لحماية الدستور1985: كفاح موجه نحو أهداف سياسية يقصد تحقيقها بواسطة الهجوم على أرواح وممتلكات أشخاص آخرين، وخصوصاً بواسطة جرائم قاسية.
16- تعريف دائرة المعارف الروسية: سياسة التخويف المنهجي للخصوم بما في ذلك استئصالهم مادياً.(20)
17- تعريف تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في أكتوبر 2001: العنف المتعمد ذو الدوافع السياسية والذي يرتكب ضد غير المقاتلين، وعادة بنية التأثير على الجمهور ... والإرهاب الدولي هو الإرهاب الذي يشترك فيه مواطنو أكثر من دولة واحدة أو يتم على أرض أكثر من دولة.(21 )
وبالتأمل في التعريفات السابقة يمكننا الخروج بالملاحظات التالية:
1. جميع التعريفات الغربية التي قدمت للإرهاب، سواء من خلال أفراد أو منظمات، تتسم بأنها فضفاضة، غير دقيقة، لا تفرق بين الأنواع المختلفة من الفعل العنيف، وتخلط بين الإرهاب والعنف السياسي، كما تخلط بين إرهاب الأفراد أو الجماعات وإرهاب الدول، كما تتجاهل في أغلبها الدوافع المسببة للإرهاب، ولا تحدد بشكل دقيق أشكال الإرهاب المختلفة، وبالتالي فهي غير موضوعية.
2. أغلب التعريفات الأمريكية للإرهاب تخلط، بشكل متعمد غالباً، بين الإرهاب والكفاح المسلح المشروع ضد الاحتلال الأجنبي، لأهداف تخص مصلحتها أولاً، ومصلحة الصهيونية العالمية ثانياً، حيث تصنف ضمن جرائم الإرهاب أعمالاً لا يمكن بأي حال أو معيار للشرعية الدولية إلا أن تكون مقاومة مسلحة مشروعة ضد الاحتلال.
3. " التعريف الرسمي للإرهاب من قبل المؤسسات الأمريكية لا يحدد أبداً نوعية مصادر الفعل الإرهابي أو فئة من قاموا بارتكابه. فهو لا يحدد أبداً إذا كان هذا من فعل فئة فردية أو جماعية، قومية أو دولية، من فعل دولة معينة أو خارجاً عن إطار الدولة ... وهذا التعريف فضفاض لدرجة أنه ينسحب على جميع الجرائم وعلى جميع الاغتيالات، ومن ثم فهو تعريف غير صارم. حيث إننا لم نعد نرى ما الفرق بين الجريمة الإرهابية والجريمة غير الإرهابية، ولا الفرق بين الإرهاب القومي والإرهاب الدولي، ولا الفرق بين فعل الحرب وفعل الإرهاب، ولا الفرق بين ما هو عسكري وما هو مدني."( 22)
4. تميل التعريفات العربية للإرهاب أكثر إلى الموضوعية – رغم قصور بعضها – حيث يتحرر واضعوها من التحيز الذي يدمغ التعريفات الغربية.
5. يعتبر تعريف المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة أشمل التعريفات؛ حيث يتسع ليشمل كل أشكال الإرهاب المادي والمعنوي، الفردي والجماعي والدولي، حيث يرد الإرهاب بالمفهوم الغربي الذي يشتمل على القتل والتدمير والترويع، إلى مفهومه الإسلامي وهو مفهوم (الحرابة) و (الإفساد في الأرض)، ولكن يؤخذ عليه إغفاله للدوافع  المختلفة للإرهاب، وعلى رأسها الدوافع السياسية، كما يلاحظ أنه لم يختلف كثيراً عن تعريف الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، بل يكاد يكون متطابقاً معها.
وهكذا نجد أن " كلمة الإرهاب اليوم أخذت في لغتنا، بتأثير الأحداث والمتغيرات معنى (الرعب الدموي والعدوان المادي والمعنوي والمس بأبرياء والقيام بأعمال من شأنها التأثير سياسياً ونفسياً على الجهة المستهدفة لإرغامها على اتخاذ قرار أو تعديل قرار، أو أداء ما يريده صاحب الفعل الإرهابي من المستهدف بالفعل المنفذ من أغراض) ... كما أدى الاستخدام السياسي والإعلامي للكلمة إلى انحراف في اتجاهين: اتجاه يبعدها عن مدلول الردع أو الزجر الشديد الذي تنطوي عليه وتنم عنه وتنذر به. وآخر يعتمد على خلط مقصود – أو غير مقصود – للمفاهيم والدلالات حيث يطلق كلمة الإرهاب بكل دلالتها وإيحاءاتها السلبية والجرمية على أفعال مشروعة مثل مقاومة الاحتلال."( 23)
وفى ظل هذه الظروف يصبح الإرهاب " ثوباً فضفاضاً تضعه قوى معينة على جسد غيرها وتوجه الاتهام لها في ظل غيبة التعريف القانوني الدقيق واختلاط المفاهيم المرتبطة به، وهو أمر يدعو إلى القلق الحقيقي؛ فسوف يتحول ذلك الرداء الأحمر الذي يشبه (بدلة الإعدام) إلى ذريعة لتصفية من يريدون الخلاص منه، وتشويه من يرغبون في إقصائهم."( 24)
هذا ويميل الكاتب إلى الأخذ بتعريف محدد للإرهاب يتمثل في أنه:
(استخدام العنف والعدوان – بأشكاله المادية وغير المادية – أو التهديد باستخدامه، ضد الأرواح والأموال والممتلكات الخاصة أو العامة والموارد الوطنية أو الطبيعية، من قبل أفراد أو جماعات أو دول، للتأثير على أفراد أو جماعات أو دول وحكومات أخرى، وخلق مناخ من الاضطراب وفقدان الأمن وإشاعة الرعب والخوف بين الناس، بهدف تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ترتبط بتوجهات القائمين بالفعل الإرهابي، وتتعارض مع مصالح المستهدفين بهذا الفعل).
موقف الإسلام من الإرهاب
يؤكد المفكر المصري الدكتور جلال أمين – أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة -  أنه " مهما كانت الكذبة كبيرة، فيكفى أن تكررها عدداً من المرات، وبإلحاح وصوت مرتفع، حتى يصدقك عدد كبير من الناس."(25) هذا القول ينطبق تماماً على محاولات الغرب المستميتة بقيادة الولايات المتحدة الربط بين العرب والمسلمين وبين الإرهاب. فالعرب والمسلمين يتعرضون اليوم، في عصر العولمة، لحملة من التشهير والتحقير لم يتعرضا لمثلها في تاريخهم الطويل.
وكلمة الإرهاب لها في الثقافة العربية الإسلامية معناها اللغوي ودلالتها الشرعية؛ إذ هي مصدر للفعل الرباعي (أرهب يرهب إرهاباً) بمعنى أخاف يخيف إخافة، وجذرها في الفعل الثلاثي رهب بمعنى خاف، ودلالة الفعل هنا دلالة معنوية، لا تتجاوز إلى الفعل المادي، بمعنى أن التخويف لا يعنى الضرب أو القتل، بل إظهار وسائل ودلائل الحزم والقوة لردع الآخر (العدو) وإخافته وإرهابه. وتظهر هذه الدلالة واضحة في الآية الكريمة التي ورد فيها لفظ (ترهبون) في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60]. فالأمر بالإعداد هنا دعوة لرفع درجة الاستعداد الدائمة، وإبراز مظاهر القوة عياناً للعدو الظاهر المبارز بالعداوة، والعدو الخفي المتمثل في المنافقين والمتربصين.
" وهنا نجد أن مفهوم الإرهاب في الآية الكريمة مفهوم وقائي، يقوم على ردع العدو عن الإتيان بأفعال العدوان المادية، ودفعه للتفكير أكثر من مرة قبل الإقدام على ذلك، مما يضمن حالة من الاستقرار والسلام. وهذا المفهوم للإرهاب، أي الردع، أمر مشروع تمارسه القوى الدولية بلا حرج، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية."(26)
 " وقد أصبح اسم الإرهاب يستعمل للدلالة على مفهوم جديد يقابل دلالة اسمTerrorism الذي يعنى السلوك المضاد لما وصفنا، لكونه ليس مجرد وعيد بل هو تصرف نسقى يستند إلى العدوان الفعلي، فهو ليس قوة ردع فحسب بل هو تركيع لإرادة الغير بالقوة المتوحشة خارج التحديدات القانونية والقوة العامة التي تعضدها أعنى بغير القوة الشرعية. إنه إذن ضرب من الخروج عن القانون في استعمال القوة من أجل غايات غير شرعية. لذلك فحكمه الشرعي هو حكم الحـرابة* داخلياً، وحكم الغزو الأجنبي خارجياً."(27)
وهكذا نجد أن مصطلح الإرهاب جاء في القرآن الكريم في دلالات مختلفة لا صلة لها البتة بالمفهوم الغربي له، إنه نوع من المقاومة القبلية أو الدفاع عن النفس والدين عن طريق الوقاية من الاضطرار إلى الرد على العنف بالعنف المضاد. ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح الإرهاب بهذه الصيغة، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية، بعضها يدل على الإرهاب والخوف والفزع، والبعض الآخر يدل على الرهبنة والتعبد.
وهكذا وردت مشتقات مادة (رهب) سبع مرات في مواضع مختلفة من الذكر الحكيم لتدل على معنى الخوف والفزع، مثل: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40] – {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[الأعراف:116]- {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60] – {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}[ النحل:51] - {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] – {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [الحشر:13]. ووردت مشتقات نفس المادة خمس مرات في مواضع مختلفة لتدل على الرهبنة والتعبد، مثل: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:27] – {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31]. بينما لم ترد مشتقات مادة (رهب) كثيراً في الحديث النوى، ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) في بعض الأحاديث النبوية منها حديث الدعاء (وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك). ومما يلاحظ أيضا أن القرآن الكريم والحديث النبوي قد اشتملا على بعض المفاهيم التي تتضمن معاني ودلالات الإرهاب والعنف بمعنى استخدام القوة أو التهديد لتحقيق أهداف معينة، ومن هذه المفاهيم: القتل والبغي والحرابة والعدوان..الخ.(28)
ولا يخفى على عارف بحقيقة الإسلام وعظيم شمائله براءته من وصمة الإرهاب؛ فالإسلام هو السلام، وقد قال الله تعالى مرادفاً بين الإسلام والسلام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:208]. أي أدخلوا في الإسلام الذي هو السلم. وفي مقابل ذلك حرم الإسلام وجرم كل مظاهر الإرهاب وأنواعه، واعتبرها فساداً وإفساداً في الأرض.
"كما أمر بمسالمة الأعداء بقوله تعالى في سورة الأنفال: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} - وهى مسالمة مشروطة بمسالمة الطرف الآخر - والسلام أحد أسماء الله الحسنى، ودار السلام أحد أسماء الجنة. ومن أجل ذلك ابتعدت الدعوة إلى الإسلام عن الحرب والإكراه، واعتمدت على الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى. وهذه الأحكام تتفق مع ما قرره ميثاق هيئة الأمم المتحدة بتحريم اللجوء إلى القوة كأصل عام."(29)
وحتى الحروب التي خاضها الإسلام، لم تكن إلا ضرورة فرضتها ظروف خاصة، كدفع الظلم أو رد الاعتداء أو الدفاع عن العقيدة. و" مما يدل على أن حرب الإسلام لم تكن تعطشاً للدماء ولا حباً للانتقام، التوجيه بعدم التعرض لغير الحاملين للسلاح من الرهبان والنساء والصبيان، والتوصية بالرحمة البالغة في الحرب، فهي كالعملية الجراحية ضرورة تقدر بقدرها، والتوصية بقبول الصلح إن عرضه الأعداء، وكذلك التوصية بعدم تخريب العمران لغير ضرورة الحرب، والإحسان إلى الأسرى، وغير ذلك من آداب الحرب العظيمة التي فصلها العلماء." (30)
وقد ظل المسلمون لأكثر من ثلاثة عشر عاماً يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلون الذين كفروا والمشركين بالتي هي أحسن، صابرين على كل ما ينالهم من أذى وظلم واضطهاد وقهر وترويع على أيدي قريش ومن حولها، حتى أذن الله لهم بالدفاع عن أنفسهم والرد على هذا الظلم والقهر في قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:39-40] ، وهو النص القرآني الذي يعطى للمقاومة شرعيتها الكاملة بكل وضوح وصراحة.
وإذا كان الإسلام قد أباح القتال في حالات محددة ومحدودة، فإنه في نفس الوقت، وضع لها شروطاً وضوابط ومعايير يجب على المسلم ألا يتجاوزها، ومنها: التنبيه على ضرورة المعاملة الحسنة لغير المسلمين الذين لم يناصبوا المسلمين العداء بقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.وضرورة إجارة وحماية المشركين إن استجاروا بالمسلمين في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ}، وأيضاً النهى عن الإفساد في الأرض وتخريبها في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بالإثم فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204-206].
وقد وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعض الضوابط الأخلاقية للمقاتلين في الغزوات الإسلامية، وأمرهم بالالتزام بها، تمثلت في قوله: (انطلقوا باسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضمنوا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين). رواه أبو داود وصححه الألباني. وهى نفس الوصايا التي التزم بها خلفاؤه من بعده في حروبهم لنشر الإسلام. فقد ورد " أن الخليفة أبا بكر بعث الجيوش إلى الشام، وبعث يزيد بن أبى سفيان أميراً، فقال: (إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم في الصوامع، فدعهم وما زعموا، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا نخلاً، ولا تحرقها، ولا تخرب عامراً، ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة، ولا تجبن ولا تُغل).
"ومن الواضح أن ما ورد في هذه الوصية ونظائرها لأفراد الجيوش يتطابق إلى حد كبير مع ما نصت عليه اتفاقيات جنيف الأربعة الموقعة في 13 أغسطس 1949م الخاصة بضحايا الحرب. فقد ورد في المادة 147 من الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب منع القيام بالأعمال الآتية ضد المدنيين الذين تحميهم هذه الاتفاقية: (القتل العمد، التعذيب أو المعاملة البعيدة عن الإنسانية، بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، الأعمال التي تسبب آلاماً شديدة أو إصابة خطيرة للجسم أو النفي أو الإبعاد غير القانوني أو الاعتقال غير القانوني للأشخاص المحميين، أخذ الرهائن، والتدمير الشامل للممتلكات."(31) وأنَّى لاتفاقيات جنيف أو غيرها أن تصل إلى ما وصلت إليه الشريعة الإسلامية من احترام للإنسان وحقوقه وكرامته، وما بلغته من تسامح.
وهكذا فإن الإرهاب محرّم في الإسلام لأنه يشتمل على عدة أنواع من المحرمات التي حرمتها الشريعة الإسلامية والتا من أهمها:(32 )
أولاً: الإفساد في الأرض في كل ما يقلق حياة الإنسان واستقراره من تهديد.
ثانياً: هتك حرمة النفس البشرية التي صانها الإسلام، فالجناية على إنسان واحد هى جناية على الجنس البشرى بأكمله، قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32].
ثالثاً: ترويع الآمنين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً).
رابعاً: الإرهاب نقيض الرحمة، والإسلام دين الرحمة؛ حيث جعل الله عز وجل غاية إرساله للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ، كما وصف كتابه القرآن الكريم بالرحمة فقال: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:52] ، كما كانت وصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - للمقاتلين في الغزوات الإسلامية هي: (انطلقوا باسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضمنوا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين).
وبناء على ذلك، يتضح جلياً براءة الإسلام وشريعته السمحة من تهمة الإرهاب التي يحاول الغرب وأمريكا إلصاقها به. " أما ربط الحرب على الإرهاب بالحركات الإسلامية بالذات، فيظهر فقط أهمية النفط واللوبي الصهيوني والجغرافيا السياسية للوطن العربي والعالم الإسلامي في إستراتيجية النخب الأمريكية الحاكمة والشركات متعدية الحدود للهيمنة على العالم. ولكن لو دققنا قليلاً سنجد أن ربط الإسلام بالإرهاب لا أساس له من الصحة إلا بقدر ما تعبر الحركات الإسلامية عن موقف رافض للهيمنة الإمبريالية."(33 )
فرغلي هارون
الهوامش:
 (1) غرانت وردلو، مشكلة تعريف الإرهاب، في: الإرهاب قبل 11 أيلول وبعده، مجلة الكرمل، العدد 69، خريف 2001. ص ص 7-8
(2) د. محمد بن عبد الله بن حجر الغامدى، الإرهاب وجدلية التعريف، مجلة الشورى السعودية، السنة السادسة، العدد 64، ذو الحجة 1425هـ.
(3) مجلة المختار الإسلامي، مفهوم العنف وعلاقته بمصطلح الإرهاب والمقاومة المشروعة، الموقع الإلكتروني للمجلة    www.islamselect.com
(4) د. أحمد جلال عز الدين، الإرهاب والعنف السياسي، كتاب الحرية، العدد 10، دار الحرية للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة، مارس 1986. ص 22
(5) د. حسن عزوزى، الإسلام وتهمة الإرهاب، سلسلة دعوة الحق، العدد 209، رابطة العالم الإسلامي، أكتوبر 2005. ص ص 14 - 15
(6) د. حسن بن فهد الهويمل، الإرهاب وإشكاليات المفهوم والانتماء والمواجهة، بحث منشور على موقع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف السعودية. ص8      www.alminbar.al-islam.com
(7) جاك دريدا، ما الذي حدث في حدث 11 سبتمبر؟، ترجمة: صفاء فتحي، مراجعة: بشير السباعي، المشروع القومي للترجمة، العدد 531، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003. ص86
(8) غرانت وردلو، مرجع سابق، ص9
(9) جاك دريدا، مرجع سابق، ص84
( 10) المرجع السابق، ص12
( 11) د. أحمد جلال عز الدين، مرجع سابق، ص49
( 12) غرانت وردلو، مرجع سابق، ص14
( 13) د. محمود حمدي زقزوق (مشرفاً)، الموسوعة الإسلامية العامة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2003. ص104
Giddens, Anthony, Sociology, 3rd ed, Polity Press, Cambridge, 2000. P.751 ( 14)
( 15) Maskliunaite,Asta, Op.Cit.
( 16) هاني خلاف، أحمد نافع، نحن وأوربا: شواغل الحاضر وآفاق المستقبل، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، 1997. ص185
( 17) د. محمد الحسيني مصيلحى، الإرهاب: مظاهره وأشكاله وفقاً للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، بحث منشور على موقع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف السعودية. ص8 www.Alminbar.al-islam.com
( 18) رابطة العالم الإسلامي، الإرهاب، ملف خاص من موقع الرابطة الإلكتروني. ص ص 2-3    www.themwl.org
( 19) ويليام بلوم، الدولة المارقة، دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم، ترجمة: كمال السيد، المشروع القومي للترجمة، العدد 463، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002. ص64
( 20) التعريفات من 11-16: هاني السباعي، الإرهاب في المنظومة الغربية، مقال منشور على موقع مجلة المختار الإسلامي  www.islamselect.com
( 21) د. طه عبد العليم، خطيئة التعريف الأمريكي للإرهاب، في: مناقشة قانونية وتحليلية لتعريف الإرهاب، ملف خاص من موقع البلاغ.  www.balagh.com
( 22) جاك دريدا، مرجع سابق، ص ص 100-101
( 23) د. على عقلة عرسان، مفهوم الإرهاب ومفهوم المقاومة، مجلة الفكر السياسي، العدد 13/14 عدد مزدوج، ربيع وصيف 2001. الموقع الإلكتروني للمجلة.
(24) د. مصطفى الفقى، العرب الأصل والصورة، دار الشروق، طبعة خاصة بمكتبة الأسرة، 2002. ص304
(25) جلال أمين، عصر التشهير بالعرب والمسلمين، نحن والعالم بعد 11 سبتمبر 2001، دار الشروق، طبعة خاصة بمكتبة الأسرة، 2004. ص26
(26 ) أحمد محمد إبراهيم، الإرهاب نشأ يهودياً والأمريكيون ألصقوه بالإسلام كعدو بديل، مقال منشور على موقع:      www.lahaonlin.com.
* حكم الحرابة هو الوارد في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33].
(27)أبو يعرب المرزوقي، البديل الإسلامي للإرهاب العولمي، مقال منشور على موقع:  www.balagh.com
(28)حسن عزوزي، الإسلام وتهمة الإرهاب، سلسلة دعوة الحق، العدد 209، رابطة العالم الإسلامي، أكتوبر 2005. ص ص 15-17
(29) د. صوفي حسن أبو طالب، الكفاح المشروع للشعوب، في: حقيقة الإسلام في عالم متغير، أبحاث ووقائع المؤتمر العام الرابع عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2003. ص679
(30) عطية صقر، الدين العالمي ومنهج الدعوة إليه، سلسلة قضايا إسلامية، العدد 140، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، نوفمبر 2006. ص 93
(31) د. صوفي حسن أبو طالب، مرجع سابق، ص683
(32) رابطة العالم الإسلامي، الإرهاب، ملف خاص، ص ص 9-12، موقع الرابطة الإلكتروني.www.themwl.org
(33)إبراهيم علوش، ماذا تعنى الحرب على الإرهاب؟، دراسة نشرت في الملحق الأسبوعي لجريدة (العرب اليوم) الأردنية في 29/8 و 5/9/2005. موقع مفكرة الإسلام.
المصدر: موقع مسلم أون لاين

مفهوم الإرهاب وموقف الإسلام منه

من طرف Abdoul karim CISSE  |  نشر في :  الثلاثاء, أبريل 08, 2014 0 تعليقات

مفهوم الإرهاب وموقف الإسلام منه


بداية لابد من الإقرار بأن هناك عدداً كبيراً جداً من التعريفات لمفهوم الإرهاب - رصد بعض الباحثين أكثر من 900 تعريف للإرهاب - وذلك بحكم تعقد الظاهرة وتعدد مستوياتها وتباين وجهات النظر بشأنها، سواء بالنسبة للأشخاص أو القوى السياسية أو الدول التي تواجهها، بالإضافة إلى تداخل الاعتبارات السياسية مع الاعتبارات الموضوعية الأخرى. ومن هنا يبدو أن لكل طرف – شخصاً أو حزباً أو دولة – رؤيته الخاصة لهذه الظاهرة والمختلفة عن رؤى الآخرين، وذلك انطلاقاً من المقولة الشائعة التي ترى أن (الإرهابي في نظر البعض هو مقاتل من أجل الحرية في نظر البعض الآخر).
ولهذا فإنه ليس من الصعب إنشاء تعريف مقبول ضمن أوساط جماعة متآلفة بعينها، وأما المشكلة فتبدأ حين تحاول تلك المجموعة الانخراط في حوار مع الآخرين.
"ولأن الإرهاب ينطوي على مشاعر بالغة الحدة، تعود جزئياً إلى رد الفعل على الأهوال المقترنة به، وتعود في جزئها الثاني إلى سياقه الأيديولوجي، فإن من الصعوبة العثور على تعريف دقيق يضمن توافق جميع الأطراف المشاركة في النقاش...إن أكبر العوائق أمام الدراسة الجادة للإرهاب هي أن الإرهاب في الجوهر مشكلة أخلاقية. وهذا واحد من أبرز الأسباب الكامنة في صعوبة التوصل إلى تعريف للإرهاب"(1)
وهناك عدة إشكاليات تعوق الوصول إلى مفهوم متفق عليه نحو الإرهاب يتمثل أهمها فيما يلي:(2 )
أولاً: إشكاليات على المستوى النظر: تتصل بالمفاهيم والمعاني والأطر، وهى تشمل عدة إشكاليات أهمها: عدم وجود إجماع بين الباحثين حول مفهوم الإرهاب بسبب تباين الثقافات والأهداف – تداخل مفهوم الإرهاب مع عدد من المفاهيم القريبة في المعنى مثل مفاهيم: العنف السياسي أو الجريمة السياسية أو الجريمة المنظمة أو التطرف - أن مفهوم الإرهاب ديناميكي ومتطور تختلف صوره وأشكاله ودوافعه باختلاف الزمان والمكان.
ثانياً: إشكالية على المستوى المنهجي: فغالبية ما كتب حول الظاهرة من بحوث ودراسات تتصف بأنها ذات طابع نظري عام يصف الظاهرة دون استخدام المناهج العلمية الدقيقة.
ثالثاً: إشكالية غياب الموضوعية في تحليل ظاهرة الإرهاب.
رابعاً: إشكالية غياب التكوين المعرفي حول هذه الظاهرة: فالدراسات حولها ذات طابع سيأسى وقانوني فقط، ولذا لابد من قيام تخصص جديد يستند على التداخل المعرفي والمنهجي بين علوم الاجتماع والسياسة والانثروبولوجيا والاقتصاد وغيرها، لرصد وتحليل الظاهرة من أبعاد منهجية متعددة للكشف عن ماهيتها وأسبابها وطرق التصدي لها.
ويمكن أن نضيف إلى الإشكاليات السابقة بعض الأسباب الجزئية التي تحول دون التوصل إلى تعريف محدد لمفهوم الإرهاب والتي أهمها:(3)
1- اختلاف المفاهيم والرؤى حول العنف والإرهاب والمعايير المتصلة بهما.
2- استفادة بعض الدول من ذوبان هذه المفاهيم وعدم تحديدها، وخاصة أمريكا وإسرائيل، وذلك للتحرك السياسي والعسكري والاقتصادي ضمن مفهوم فضفاض يفصلونه حسب مرادهم.
3- استفادة بعض الحكومات المحلية لتصفية خصوماتها تحت طائلة هذه المفاهيم غير المحددة.
4- غلبة الفكر البرجماتي المادي القائم على مفاهيم نفاقية (الوصول للكسب بأي طريقة – تطبيق معايير مزدوجة – النسبية الأخلاقية) ومن أبشع من يطبق هذه المفاهيم الحكومة الأمريكية ومن خلفها اللوبي اليهودي.

معنى الإرهاب في اللغة
" تكاد تتفق المراجع الأجنبية على أن مصدر كلمة Terrorism في اللغة الإنجليزية هو الفعل اللاتيني Ters الذي استمدت منه كلمة Terror أي الرعب أو الخوف الشديد "(4)
أما فى اللغة العربية فقد " اشتقت كلمة إرهاب من الفعل المزيد (أرهب) ويقال أرهب فلان فلاناً أي خوفه وأفزعه، وهو نفس المعنى الذي يدل عليه الفعل المضعف (رهّب) أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو (رهب) يرهب رهبة ورهباً فيعنى خاف، فيقال رهب الشيء رهباً ورهبة أي خافه، أما الفعل المزيد بالتاء (ترهب) فيعنى انقطع للعبادة في صومعته، ويشتق منه الراهب والرهبانية ..الخ، وكذلك يستعمل الفعل ترهب بمعنى توعد إذا كان متعدياً فيقال: ترهب فلاناً: أي توعده، وكذلك تستعمل اللغة العربية صيغة (استفعل) من نفس المادة فتقول استرهب فلاناً أي أرهبه "(5 )
تعريف مصطلح الإرهاب
على الرغم من وجود اثنتي عشرة اتفاقية دولية حول الإرهاب، فإن المجتمع الدولي لما يتوصل بعد إلى تعريف محدد لمفهوم الإرهاب الذي تدور حوله كل تلك الاتفاقيات والقرارات.
ولأن مفهوم الإرهاب تحول إلى إشكالية معقدة، فإن الناس رضوا بالتوصيف لا التعريف، والتوصيف مرتبط بذوات الأحداث لا بذات الظاهرة. ومما يعمق الإشكالية تعدد مثيرات الإرهاب، إذ أن لكل مثير حيثياته ومغايرته، وباختلاف المثير يختلف المفهوم والموقف.
"وفى ظل تعدد الأسباب والمفاهيم والمكاييل والحياد والانحياز السلبيين تبدت للمتابع عشرات الرؤى والتصورات المعمقة للإشكالية بحيث لم تكن وقفاً على التعريف، وإنما هي في المفاهيم والمواقف. فجذر (رهب) من حيث (لغويته) يعنى التخويف والقمع، ومن حيث (إجراؤه) يعنى مباشرة الاعتداء، ومن حيث (الممارسة) يكون فردياً وجمعياً ودولياً، ومن حيث (الأهداف) يكون ضد أي كيان سياسي أو ديني أو عرقي، ومن حيث (الدوافع) يكون بسبب اضطهاد أو اعتداء أو انحياز أو هو مبدئي تمليه أيديولوجية معينة وتفرضه نحلة متطرفة، ومن حيث (النتائج) يؤدى إلى الفوضى والاضطراب واختلال الأمن والتخلف. إذ هناك مسلمات لا يختلف حولها أحد، وحين نفرق بين الدلالة والمفهوم نكون قد وضعنا المؤشر على المفصل "(6 )
"نحن إذن بصدد تشوش في الحقل الدلالي. وهو تشوش غير قابل للاختزال في الحدود بين المفاهيم ... وكل هذه الأشياء لا يجب التعامل معها باعتبارها مجرد خلل في التنظير أو فوضى في المفاهيم ... فعلى العكس من ذلك، يجب أن نرى فيها استراتيجيات وعلاقات القوى. فالقوى المهيمنة هي القوى التي تتمكن في ظروف معينة من فرض تسمياتها ومن ثم فرض التأويل الذي يناسبها وبالتالي إضفاء الشرعية على هذه التسميات بل وتقنينها "( 7)
ومن هنا، " فإن الطابع الزلق لمفهوم الإرهاب (أياً كان تعريفه في نهاية المطاف) يتبدى على أوضح صورة في استخدامه الانتقائي، وخصوصاً استخدامه الانتقائي الإزدرائى."( 8) وهذا هو نفس ما يؤكده فيلسوف التفكيك الفر نسى جاك دريدا قائلاً إنه " كلما ازداد المفهوم غموضاً كلما أصبح عرضة للتطويع الانتهازي ... فقد أمكن الإشادة بإرهابيين باعتبارهم مكافحين من أجل الحرية – في سياق المقاومة ضد الاحتلال السوفيتي في أفغانستان على سبيل المثال – وجرى التنديد بهم باعتبارهم إرهابيين في سياق آخر."( 9)
ومما لا شك فيه أن المصطلحات التي تستخدم لوصف حدث تاريخي معين هي التي تحدد فهمنا له، وإذا جردناها من التحديد فإن الكلمات تصبح حواجز أمام المعرفة، وهذا ما هو حاصل الآن عندما يناقش موضوع الإرهاب وتختلف النظرة إليه بين العرب والغربيين. ويتبدى ذلك بوضوح عند استعراضنا لبعض التعريفات التي قدمت لمفهوم الإرهاب سواء في الغرب أو الشرق، وسواء من قبل أفراد أو منظمات، والتي منها:
1- تعرف موسوعة Encarta الإلكترونية الإرهاب Terrorism بأنه: استعمال العنف أو التهديد باستعماله من أجل إحداث جو من الذعر بين أناس معينين يستهدف مجموعات عرقية أو دينية أو حكومات أو أحزاباً سياسية أو غيرها.(10 )
2- الإرهاب هو عنف منظم ومتصل بقصد خلق حالة من التهديد العام، الموجه إلى دولة أو جماعة سياسية، والذي ترتكبه جماعة منظمة بقصد تحقيق أهداف سياسية.( 11)
3- تعريف ثورنتون: الإرهاب فعل رمزي يراد منه التأثير في السلوك السياسي عن طريق وسائل غير عادية تنطوي على استخدام التهديد بالعنف.( 12)
4- الإرهاب هو استعمال العنف أو التهديد باستعماله ضد الأفراد أو الجماعات أو الدولة بغية تحقيق هدف غير مشروع يؤثر على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة والتي أقرها المجتمع.( 13)
5- الإرهاب هو استخدام العنف من جانب الجماعات غير الحكومية من أجل انجاز أهداف سياسية.( 14)
6- تعريف كرينشاو: الاستعمال المنظم للعنف السياسي غير التقليدي بواسطة مجموعات تآمرية صغيرة بهدف التأثير في الاتجاهات السياسية.( 15)
7-      تعريف لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي لمجلس الشورى المصري الإرهاب بأنه: استعمال العنف - بأشكاله المادية وغير المادية - للتأثير على الأفراد أو المجموعات أو الحكومات، وخلق مناخ من الاضطراب وعدم الأمن، بغية تحقيق هدف معين، يرتبط بتوجهات الجماعات الإرهابية، لكنه - بصفة عامة - يتضمن تأثيراً على المعتقدات أو القيم أو الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية السائدة، التي تم التوافق عليها في الدولة والتي تمثل مصلحة قومية عليا للوطن.( 16)
8- تعريف الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة بالقاهرة عام 1998: كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردى أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.( 17)
9- تعريف المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة في دورته السادسة عشرة المنعقدة في الفترة من 5-11/1/2002م: العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان – دينه، ودمه، وعقله، وماله – بغير حق، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردى أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أموالهم للخطر. ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}( 18)
10- يعرف مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية الإرهاب بأنه: الاستخدام غير المشروع للقوة أو العنف من قبل مجموعة من الأفراد، لهم صلة ما بدولة أجنبية، أو تتجاوز أنشطتهم الحدود القومية، ضد أشخاص وممتلكات، لترويع أو إكراه حكومة ما والسكان المدنيين أو أي جزء منها، لتعزيز أهداف سياسية أو اجتماعية. ( 19)
11- تعريف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) عام 1980: التهديد الناشئ عن عنف من قبل أفراد أو جماعات.
12- تعريف وزارة العدل الأمريكية عام 1984: أسلوب جنائي عنيف يقصد به بوضوح التأثير على حكومة ما عن طريق الاغتيالات أو الخطف.
13- تعريف وزارة الدفاع الأمريكية عام 1986: الاستعمال أو التهديد غير المشروع للقوة ضد الأشخاص أو الأموال، غالباً لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو عقائدية.
14- تعريف وزارة الخارجية الأمريكية عام 1988: عنف ذو باعث سياسي يرتكب عن سابق تصور وتصميم وضد أهداف غير حربية من قبل مجموعات وطنية فرعية أو عملاء دولة سريين، ويقصد به عادة التأثير على جمهور ما.
15- تعريف مكتب جمهورية ألمانيا الاتحادية لحماية الدستور1985: كفاح موجه نحو أهداف سياسية يقصد تحقيقها بواسطة الهجوم على أرواح وممتلكات أشخاص آخرين، وخصوصاً بواسطة جرائم قاسية.
16- تعريف دائرة المعارف الروسية: سياسة التخويف المنهجي للخصوم بما في ذلك استئصالهم مادياً.(20)
17- تعريف تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في أكتوبر 2001: العنف المتعمد ذو الدوافع السياسية والذي يرتكب ضد غير المقاتلين، وعادة بنية التأثير على الجمهور ... والإرهاب الدولي هو الإرهاب الذي يشترك فيه مواطنو أكثر من دولة واحدة أو يتم على أرض أكثر من دولة.(21 )
وبالتأمل في التعريفات السابقة يمكننا الخروج بالملاحظات التالية:
1. جميع التعريفات الغربية التي قدمت للإرهاب، سواء من خلال أفراد أو منظمات، تتسم بأنها فضفاضة، غير دقيقة، لا تفرق بين الأنواع المختلفة من الفعل العنيف، وتخلط بين الإرهاب والعنف السياسي، كما تخلط بين إرهاب الأفراد أو الجماعات وإرهاب الدول، كما تتجاهل في أغلبها الدوافع المسببة للإرهاب، ولا تحدد بشكل دقيق أشكال الإرهاب المختلفة، وبالتالي فهي غير موضوعية.
2. أغلب التعريفات الأمريكية للإرهاب تخلط، بشكل متعمد غالباً، بين الإرهاب والكفاح المسلح المشروع ضد الاحتلال الأجنبي، لأهداف تخص مصلحتها أولاً، ومصلحة الصهيونية العالمية ثانياً، حيث تصنف ضمن جرائم الإرهاب أعمالاً لا يمكن بأي حال أو معيار للشرعية الدولية إلا أن تكون مقاومة مسلحة مشروعة ضد الاحتلال.
3. " التعريف الرسمي للإرهاب من قبل المؤسسات الأمريكية لا يحدد أبداً نوعية مصادر الفعل الإرهابي أو فئة من قاموا بارتكابه. فهو لا يحدد أبداً إذا كان هذا من فعل فئة فردية أو جماعية، قومية أو دولية، من فعل دولة معينة أو خارجاً عن إطار الدولة ... وهذا التعريف فضفاض لدرجة أنه ينسحب على جميع الجرائم وعلى جميع الاغتيالات، ومن ثم فهو تعريف غير صارم. حيث إننا لم نعد نرى ما الفرق بين الجريمة الإرهابية والجريمة غير الإرهابية، ولا الفرق بين الإرهاب القومي والإرهاب الدولي، ولا الفرق بين فعل الحرب وفعل الإرهاب، ولا الفرق بين ما هو عسكري وما هو مدني."( 22)
4. تميل التعريفات العربية للإرهاب أكثر إلى الموضوعية – رغم قصور بعضها – حيث يتحرر واضعوها من التحيز الذي يدمغ التعريفات الغربية.
5. يعتبر تعريف المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة أشمل التعريفات؛ حيث يتسع ليشمل كل أشكال الإرهاب المادي والمعنوي، الفردي والجماعي والدولي، حيث يرد الإرهاب بالمفهوم الغربي الذي يشتمل على القتل والتدمير والترويع، إلى مفهومه الإسلامي وهو مفهوم (الحرابة) و (الإفساد في الأرض)، ولكن يؤخذ عليه إغفاله للدوافع  المختلفة للإرهاب، وعلى رأسها الدوافع السياسية، كما يلاحظ أنه لم يختلف كثيراً عن تعريف الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، بل يكاد يكون متطابقاً معها.
وهكذا نجد أن " كلمة الإرهاب اليوم أخذت في لغتنا، بتأثير الأحداث والمتغيرات معنى (الرعب الدموي والعدوان المادي والمعنوي والمس بأبرياء والقيام بأعمال من شأنها التأثير سياسياً ونفسياً على الجهة المستهدفة لإرغامها على اتخاذ قرار أو تعديل قرار، أو أداء ما يريده صاحب الفعل الإرهابي من المستهدف بالفعل المنفذ من أغراض) ... كما أدى الاستخدام السياسي والإعلامي للكلمة إلى انحراف في اتجاهين: اتجاه يبعدها عن مدلول الردع أو الزجر الشديد الذي تنطوي عليه وتنم عنه وتنذر به. وآخر يعتمد على خلط مقصود – أو غير مقصود – للمفاهيم والدلالات حيث يطلق كلمة الإرهاب بكل دلالتها وإيحاءاتها السلبية والجرمية على أفعال مشروعة مثل مقاومة الاحتلال."( 23)
وفى ظل هذه الظروف يصبح الإرهاب " ثوباً فضفاضاً تضعه قوى معينة على جسد غيرها وتوجه الاتهام لها في ظل غيبة التعريف القانوني الدقيق واختلاط المفاهيم المرتبطة به، وهو أمر يدعو إلى القلق الحقيقي؛ فسوف يتحول ذلك الرداء الأحمر الذي يشبه (بدلة الإعدام) إلى ذريعة لتصفية من يريدون الخلاص منه، وتشويه من يرغبون في إقصائهم."( 24)
هذا ويميل الكاتب إلى الأخذ بتعريف محدد للإرهاب يتمثل في أنه:
(استخدام العنف والعدوان – بأشكاله المادية وغير المادية – أو التهديد باستخدامه، ضد الأرواح والأموال والممتلكات الخاصة أو العامة والموارد الوطنية أو الطبيعية، من قبل أفراد أو جماعات أو دول، للتأثير على أفراد أو جماعات أو دول وحكومات أخرى، وخلق مناخ من الاضطراب وفقدان الأمن وإشاعة الرعب والخوف بين الناس، بهدف تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ترتبط بتوجهات القائمين بالفعل الإرهابي، وتتعارض مع مصالح المستهدفين بهذا الفعل).
موقف الإسلام من الإرهاب
يؤكد المفكر المصري الدكتور جلال أمين – أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة -  أنه " مهما كانت الكذبة كبيرة، فيكفى أن تكررها عدداً من المرات، وبإلحاح وصوت مرتفع، حتى يصدقك عدد كبير من الناس."(25) هذا القول ينطبق تماماً على محاولات الغرب المستميتة بقيادة الولايات المتحدة الربط بين العرب والمسلمين وبين الإرهاب. فالعرب والمسلمين يتعرضون اليوم، في عصر العولمة، لحملة من التشهير والتحقير لم يتعرضا لمثلها في تاريخهم الطويل.
وكلمة الإرهاب لها في الثقافة العربية الإسلامية معناها اللغوي ودلالتها الشرعية؛ إذ هي مصدر للفعل الرباعي (أرهب يرهب إرهاباً) بمعنى أخاف يخيف إخافة، وجذرها في الفعل الثلاثي رهب بمعنى خاف، ودلالة الفعل هنا دلالة معنوية، لا تتجاوز إلى الفعل المادي، بمعنى أن التخويف لا يعنى الضرب أو القتل، بل إظهار وسائل ودلائل الحزم والقوة لردع الآخر (العدو) وإخافته وإرهابه. وتظهر هذه الدلالة واضحة في الآية الكريمة التي ورد فيها لفظ (ترهبون) في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60]. فالأمر بالإعداد هنا دعوة لرفع درجة الاستعداد الدائمة، وإبراز مظاهر القوة عياناً للعدو الظاهر المبارز بالعداوة، والعدو الخفي المتمثل في المنافقين والمتربصين.
" وهنا نجد أن مفهوم الإرهاب في الآية الكريمة مفهوم وقائي، يقوم على ردع العدو عن الإتيان بأفعال العدوان المادية، ودفعه للتفكير أكثر من مرة قبل الإقدام على ذلك، مما يضمن حالة من الاستقرار والسلام. وهذا المفهوم للإرهاب، أي الردع، أمر مشروع تمارسه القوى الدولية بلا حرج، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية."(26)
 " وقد أصبح اسم الإرهاب يستعمل للدلالة على مفهوم جديد يقابل دلالة اسمTerrorism الذي يعنى السلوك المضاد لما وصفنا، لكونه ليس مجرد وعيد بل هو تصرف نسقى يستند إلى العدوان الفعلي، فهو ليس قوة ردع فحسب بل هو تركيع لإرادة الغير بالقوة المتوحشة خارج التحديدات القانونية والقوة العامة التي تعضدها أعنى بغير القوة الشرعية. إنه إذن ضرب من الخروج عن القانون في استعمال القوة من أجل غايات غير شرعية. لذلك فحكمه الشرعي هو حكم الحـرابة* داخلياً، وحكم الغزو الأجنبي خارجياً."(27)
وهكذا نجد أن مصطلح الإرهاب جاء في القرآن الكريم في دلالات مختلفة لا صلة لها البتة بالمفهوم الغربي له، إنه نوع من المقاومة القبلية أو الدفاع عن النفس والدين عن طريق الوقاية من الاضطرار إلى الرد على العنف بالعنف المضاد. ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح الإرهاب بهذه الصيغة، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية، بعضها يدل على الإرهاب والخوف والفزع، والبعض الآخر يدل على الرهبنة والتعبد.
وهكذا وردت مشتقات مادة (رهب) سبع مرات في مواضع مختلفة من الذكر الحكيم لتدل على معنى الخوف والفزع، مثل: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40] – {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[الأعراف:116]- {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60] – {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}[ النحل:51] - {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] – {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [الحشر:13]. ووردت مشتقات نفس المادة خمس مرات في مواضع مختلفة لتدل على الرهبنة والتعبد، مثل: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:27] – {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31]. بينما لم ترد مشتقات مادة (رهب) كثيراً في الحديث النوى، ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) في بعض الأحاديث النبوية منها حديث الدعاء (وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك). ومما يلاحظ أيضا أن القرآن الكريم والحديث النبوي قد اشتملا على بعض المفاهيم التي تتضمن معاني ودلالات الإرهاب والعنف بمعنى استخدام القوة أو التهديد لتحقيق أهداف معينة، ومن هذه المفاهيم: القتل والبغي والحرابة والعدوان..الخ.(28)
ولا يخفى على عارف بحقيقة الإسلام وعظيم شمائله براءته من وصمة الإرهاب؛ فالإسلام هو السلام، وقد قال الله تعالى مرادفاً بين الإسلام والسلام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:208]. أي أدخلوا في الإسلام الذي هو السلم. وفي مقابل ذلك حرم الإسلام وجرم كل مظاهر الإرهاب وأنواعه، واعتبرها فساداً وإفساداً في الأرض.
"كما أمر بمسالمة الأعداء بقوله تعالى في سورة الأنفال: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} - وهى مسالمة مشروطة بمسالمة الطرف الآخر - والسلام أحد أسماء الله الحسنى، ودار السلام أحد أسماء الجنة. ومن أجل ذلك ابتعدت الدعوة إلى الإسلام عن الحرب والإكراه، واعتمدت على الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالحسنى. وهذه الأحكام تتفق مع ما قرره ميثاق هيئة الأمم المتحدة بتحريم اللجوء إلى القوة كأصل عام."(29)
وحتى الحروب التي خاضها الإسلام، لم تكن إلا ضرورة فرضتها ظروف خاصة، كدفع الظلم أو رد الاعتداء أو الدفاع عن العقيدة. و" مما يدل على أن حرب الإسلام لم تكن تعطشاً للدماء ولا حباً للانتقام، التوجيه بعدم التعرض لغير الحاملين للسلاح من الرهبان والنساء والصبيان، والتوصية بالرحمة البالغة في الحرب، فهي كالعملية الجراحية ضرورة تقدر بقدرها، والتوصية بقبول الصلح إن عرضه الأعداء، وكذلك التوصية بعدم تخريب العمران لغير ضرورة الحرب، والإحسان إلى الأسرى، وغير ذلك من آداب الحرب العظيمة التي فصلها العلماء." (30)
وقد ظل المسلمون لأكثر من ثلاثة عشر عاماً يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلون الذين كفروا والمشركين بالتي هي أحسن، صابرين على كل ما ينالهم من أذى وظلم واضطهاد وقهر وترويع على أيدي قريش ومن حولها، حتى أذن الله لهم بالدفاع عن أنفسهم والرد على هذا الظلم والقهر في قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:39-40] ، وهو النص القرآني الذي يعطى للمقاومة شرعيتها الكاملة بكل وضوح وصراحة.
وإذا كان الإسلام قد أباح القتال في حالات محددة ومحدودة، فإنه في نفس الوقت، وضع لها شروطاً وضوابط ومعايير يجب على المسلم ألا يتجاوزها، ومنها: التنبيه على ضرورة المعاملة الحسنة لغير المسلمين الذين لم يناصبوا المسلمين العداء بقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.وضرورة إجارة وحماية المشركين إن استجاروا بالمسلمين في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ}، وأيضاً النهى عن الإفساد في الأرض وتخريبها في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بالإثم فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204-206].
وقد وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بعض الضوابط الأخلاقية للمقاتلين في الغزوات الإسلامية، وأمرهم بالالتزام بها، تمثلت في قوله: (انطلقوا باسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضمنوا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين). رواه أبو داود وصححه الألباني. وهى نفس الوصايا التي التزم بها خلفاؤه من بعده في حروبهم لنشر الإسلام. فقد ورد " أن الخليفة أبا بكر بعث الجيوش إلى الشام، وبعث يزيد بن أبى سفيان أميراً، فقال: (إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم في الصوامع، فدعهم وما زعموا، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا نخلاً، ولا تحرقها، ولا تخرب عامراً، ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة، ولا تجبن ولا تُغل).
"ومن الواضح أن ما ورد في هذه الوصية ونظائرها لأفراد الجيوش يتطابق إلى حد كبير مع ما نصت عليه اتفاقيات جنيف الأربعة الموقعة في 13 أغسطس 1949م الخاصة بضحايا الحرب. فقد ورد في المادة 147 من الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب منع القيام بالأعمال الآتية ضد المدنيين الذين تحميهم هذه الاتفاقية: (القتل العمد، التعذيب أو المعاملة البعيدة عن الإنسانية، بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، الأعمال التي تسبب آلاماً شديدة أو إصابة خطيرة للجسم أو النفي أو الإبعاد غير القانوني أو الاعتقال غير القانوني للأشخاص المحميين، أخذ الرهائن، والتدمير الشامل للممتلكات."(31) وأنَّى لاتفاقيات جنيف أو غيرها أن تصل إلى ما وصلت إليه الشريعة الإسلامية من احترام للإنسان وحقوقه وكرامته، وما بلغته من تسامح.
وهكذا فإن الإرهاب محرّم في الإسلام لأنه يشتمل على عدة أنواع من المحرمات التي حرمتها الشريعة الإسلامية والتا من أهمها:(32 )
أولاً: الإفساد في الأرض في كل ما يقلق حياة الإنسان واستقراره من تهديد.
ثانياً: هتك حرمة النفس البشرية التي صانها الإسلام، فالجناية على إنسان واحد هى جناية على الجنس البشرى بأكمله، قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32].
ثالثاً: ترويع الآمنين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً).
رابعاً: الإرهاب نقيض الرحمة، والإسلام دين الرحمة؛ حيث جعل الله عز وجل غاية إرساله للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ، كما وصف كتابه القرآن الكريم بالرحمة فقال: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:52] ، كما كانت وصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - للمقاتلين في الغزوات الإسلامية هي: (انطلقوا باسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضمنوا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين).
وبناء على ذلك، يتضح جلياً براءة الإسلام وشريعته السمحة من تهمة الإرهاب التي يحاول الغرب وأمريكا إلصاقها به. " أما ربط الحرب على الإرهاب بالحركات الإسلامية بالذات، فيظهر فقط أهمية النفط واللوبي الصهيوني والجغرافيا السياسية للوطن العربي والعالم الإسلامي في إستراتيجية النخب الأمريكية الحاكمة والشركات متعدية الحدود للهيمنة على العالم. ولكن لو دققنا قليلاً سنجد أن ربط الإسلام بالإرهاب لا أساس له من الصحة إلا بقدر ما تعبر الحركات الإسلامية عن موقف رافض للهيمنة الإمبريالية."(33 )
فرغلي هارون
الهوامش:
 (1) غرانت وردلو، مشكلة تعريف الإرهاب، في: الإرهاب قبل 11 أيلول وبعده، مجلة الكرمل، العدد 69، خريف 2001. ص ص 7-8
(2) د. محمد بن عبد الله بن حجر الغامدى، الإرهاب وجدلية التعريف، مجلة الشورى السعودية، السنة السادسة، العدد 64، ذو الحجة 1425هـ.
(3) مجلة المختار الإسلامي، مفهوم العنف وعلاقته بمصطلح الإرهاب والمقاومة المشروعة، الموقع الإلكتروني للمجلة    www.islamselect.com
(4) د. أحمد جلال عز الدين، الإرهاب والعنف السياسي، كتاب الحرية، العدد 10، دار الحرية للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة، مارس 1986. ص 22
(5) د. حسن عزوزى، الإسلام وتهمة الإرهاب، سلسلة دعوة الحق، العدد 209، رابطة العالم الإسلامي، أكتوبر 2005. ص ص 14 - 15
(6) د. حسن بن فهد الهويمل، الإرهاب وإشكاليات المفهوم والانتماء والمواجهة، بحث منشور على موقع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف السعودية. ص8      www.alminbar.al-islam.com
(7) جاك دريدا، ما الذي حدث في حدث 11 سبتمبر؟، ترجمة: صفاء فتحي، مراجعة: بشير السباعي، المشروع القومي للترجمة، العدد 531، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003. ص86
(8) غرانت وردلو، مرجع سابق، ص9
(9) جاك دريدا، مرجع سابق، ص84
( 10) المرجع السابق، ص12
( 11) د. أحمد جلال عز الدين، مرجع سابق، ص49
( 12) غرانت وردلو، مرجع سابق، ص14
( 13) د. محمود حمدي زقزوق (مشرفاً)، الموسوعة الإسلامية العامة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2003. ص104
Giddens, Anthony, Sociology, 3rd ed, Polity Press, Cambridge, 2000. P.751 ( 14)
( 15) Maskliunaite,Asta, Op.Cit.
( 16) هاني خلاف، أحمد نافع، نحن وأوربا: شواغل الحاضر وآفاق المستقبل، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، 1997. ص185
( 17) د. محمد الحسيني مصيلحى، الإرهاب: مظاهره وأشكاله وفقاً للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، بحث منشور على موقع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف السعودية. ص8 www.Alminbar.al-islam.com
( 18) رابطة العالم الإسلامي، الإرهاب، ملف خاص من موقع الرابطة الإلكتروني. ص ص 2-3    www.themwl.org
( 19) ويليام بلوم، الدولة المارقة، دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم، ترجمة: كمال السيد، المشروع القومي للترجمة، العدد 463، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002. ص64
( 20) التعريفات من 11-16: هاني السباعي، الإرهاب في المنظومة الغربية، مقال منشور على موقع مجلة المختار الإسلامي  www.islamselect.com
( 21) د. طه عبد العليم، خطيئة التعريف الأمريكي للإرهاب، في: مناقشة قانونية وتحليلية لتعريف الإرهاب، ملف خاص من موقع البلاغ.  www.balagh.com
( 22) جاك دريدا، مرجع سابق، ص ص 100-101
( 23) د. على عقلة عرسان، مفهوم الإرهاب ومفهوم المقاومة، مجلة الفكر السياسي، العدد 13/14 عدد مزدوج، ربيع وصيف 2001. الموقع الإلكتروني للمجلة.
(24) د. مصطفى الفقى، العرب الأصل والصورة، دار الشروق، طبعة خاصة بمكتبة الأسرة، 2002. ص304
(25) جلال أمين، عصر التشهير بالعرب والمسلمين، نحن والعالم بعد 11 سبتمبر 2001، دار الشروق، طبعة خاصة بمكتبة الأسرة، 2004. ص26
(26 ) أحمد محمد إبراهيم، الإرهاب نشأ يهودياً والأمريكيون ألصقوه بالإسلام كعدو بديل، مقال منشور على موقع:      www.lahaonlin.com.
* حكم الحرابة هو الوارد في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33].
(27)أبو يعرب المرزوقي، البديل الإسلامي للإرهاب العولمي، مقال منشور على موقع:  www.balagh.com
(28)حسن عزوزي، الإسلام وتهمة الإرهاب، سلسلة دعوة الحق، العدد 209، رابطة العالم الإسلامي، أكتوبر 2005. ص ص 15-17
(29) د. صوفي حسن أبو طالب، الكفاح المشروع للشعوب، في: حقيقة الإسلام في عالم متغير، أبحاث ووقائع المؤتمر العام الرابع عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 2003. ص679
(30) عطية صقر، الدين العالمي ومنهج الدعوة إليه، سلسلة قضايا إسلامية، العدد 140، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، نوفمبر 2006. ص 93
(31) د. صوفي حسن أبو طالب، مرجع سابق، ص683
(32) رابطة العالم الإسلامي، الإرهاب، ملف خاص، ص ص 9-12، موقع الرابطة الإلكتروني.www.themwl.org
(33)إبراهيم علوش، ماذا تعنى الحرب على الإرهاب؟، دراسة نشرت في الملحق الأسبوعي لجريدة (العرب اليوم) الأردنية في 29/8 و 5/9/2005. موقع مفكرة الإسلام.
المصدر: موقع مسلم أون لاين

0 التعليقات:

تمرُّد التوارق ضدَّ الدولة من عام 1963م إلى2012م                 






ندوة علميّة بعنوان:


أزمة شمال مالي الجذور التاريخية والسياسية


تاريخ التوارق في شمال مالي

 د.عبد الرحمن سيسي



تمرُّد التوارق ضدَّ الدولة من عام 1963م إلى2012م، الأسباب والمبرِّرات

د.عبد القادر ميغا

التمرُّدُ الحالي بشِقَّيْه السياسي والجهادي

 د.هارون المهدي ميغا


بماكو

يوم الأحد 6/7/1433هـ 27/5/2012م

تاريخ التوارق في شمال مالي



 د.عبد الرحمن عبد الله سيسي




في هذه العُجالة سوف نتناول التوارق من خلال العناصر الآتية:
 - المصطلحات التي أُطلِقَتْ عليهم (أسماؤهم)                                                        
- أصولهم                                                                                       
- حياتهم الاجتماعيّة                                                                              
- حياتهم الاقتصاديّة                                                                                
- حياتهم السياسيّة                                                                                   
أسماؤهم:                                                                                          
عُرِف الشعب التارقي بأسماء متعدِّدة حسب اختلاف الزمان والمكان، ومنها:                       
بربر:

تردَّد هذا المصطلح في كتبات العرب؛ لتعيين القبائل الأعجميّة القاطنة بشمال القارة الأفريقيّة. وزعموا أنّ أفريقش بن قيس هو أوَّل من استخدم المصطلح ساخراً ومُتهكّماً بأصوات لغاتهم الصاخبة والمختلطة.

المُلثَّمون:

عندما أخذ الكُتَّاب يقصدون التحرِّي والدقَّة استخدموا مصطلح (المُلثَّمون) لتخصيص قبائل بربريَّة معيَّنة، ويقول ابن خلدون: (( هم المُلثَّمون الموطّنون بالقفر وراء المال الصحراويّة بالجنوب...وصاروا ما بين بلاد البربر وبلاد السودان)) [ كتاب العبرط1، 2/2287]. وأخرجهم من الجنس البربري العامّ بنعتهم بالتلثُّم، وتحديد موقعهم الجغرافي.

الطوارق، التوارق، التوارك:

ظهر هذا المصطلح عند الكُتّاب السودانيين مستبدلاً بالمُلثَّمين في القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، ولكن لم يُحدِّدْ أصل التسمية، ومقصودها. ويقول السعدي: (( التوارق هم المسوفة، ينتسبون إلى صنهاجة، وصنهاجة يرفعون أنسابهم إلى حِميَر، وليس بينهم وبين البربر نسب إلاّ الرحم، وأنّهم خرجوا من اليمن وارتحلوا إلى الصحراء، موطنهم بالمغرب))

أصولهم:

تباعدتْ وجهات النظر في أصل التوارق، وبعضها منسوجة في منوال الأسطورة، ولكن لها مغزى اجتماعي، لتعبيرها عن نظرة الشعوب المجاورة لهم إليهم، منها:

أ‌-     براءة آدم عليه السلام منهم، ونفيه انتسابهم إليه، كما ورد على لسان الشاعر الأندلسي السمسيري:    

رأيتُ آدم في نومي فقلتُ له         أبا البريّة إنّ الناس حكموا

أنَّ البربر نسلٌ منك، قال-إذن-    حواء طالقة إن كان ما زعموا

ب‌-هُجناء من إماء فارسيّات وآباء من الجنّ؛ فجمعوا بين طبيعة الجنّ وصورة بني آدم. وهذا يُمثِّل وجهة نظر سنغي(سنغاي) التي تفترض وجود علاقة نسب ووشيجة قرابة بين الطوارق(البربر) والشياطين من حيث الطبع والسلوك[ تاريخ الفتاش ص29].

ج- ادِّعاء العروبة [انظر: تاريخ السودان للسعدي ص25، والتوارق، للقشاط ص73]

د- دعوى اليهوديَّة. هذا الرأي لا تستند إلى دليل تاريخي قويّ.

هـ- أخيرا: أعتقد أنّ التوارق من القبائل الحامية القاطنة في شمال أفريقيا، وتعرَّتْ لغزوات خارجيّة نتج عنها اختلاط عرقي ودموي بين الغُزاة والمغزوِّين، واندمج فيهم اليهود للتقارب اللَّوني عند ما أراد ملوك سنغاي البطش بهم [ راجع تاريخ الفتاش 62].

التوارق والمواطنة:

للتوارق حقُّ المواطنة التاريخيّة، والمدنيّة الحديثة، وهم أقليَّة يسكنون في شمال جمهوريّة مالي من تنبكتو...  بإقليم موبتي، مجاورين للقبائل الأخرى حتى حدود الجزائر والنيجر.

حياتهم الاجتماعيّة:

يتميَّز المجتمع التارقي بالتماسك والتعاضد؛ وذلك لاحترامه البناء الهرمي التسلسلي الذي يتألَّف من الأسرة التي تعدُّ الخلية الصغرى ، وتسمَّى (الخيمة)فالعشيرة التي تتألَّف من أسر متعدِّدة تربطها قرابة الدم والولاء. فالحيّ(الحلّة) التي تمثِّل مجتمعا كبيرا. فالقبيلة التي تتكوَّن من مجموعة من الأحياء التي تنتمي إليها.

الطبقات الاجتماعيّة:

يتألَّف المجتمع التارقي من طبقات أهمُّها:

أ‌-     طبقة الأحرار النبلاء، وتنقسم إلى:

1- إموشار Imouchar أو إمازيغان Imajghan.

2- طبقة الأحرار غير طامحين في الزعامة، إمغاد Imagad، وإدنان Idnan.

ب- الطبقة المتديِّنة أو المتفقِّهة Inesemes: 1-الأشراف  2- كَلْ انتصار  3-كَلْ السوك

ج- الطبقة الدنيئة:

1- المولَّدون من إموشار وغيرها Iregeynaten

2- الحرفيون والمهنيُّون أو الحدَّادون والفنّانون

3- العبيد المملوكون Iklen و Bella

حياتهم الاقتصاديّة:

إنّ التوارق لَشعبٌ غاصٌّ في عمق المعاجم؛ فأدرك معاني مادّة مهن وحرف، ووعاها فترفَّع عن كلّ ما له علاقة بهذه الجذور؛ لعلاقتها الوثيقة بالعبوديّة والدونيّة حتى الزراعة. (( ويحتقر التوارق الزراعة ولا يحسنونها أصلا، ويعدُّونها من عمل العبيد))[التوارق، القشاط ص85]. حتى التجارة قلَّ أن تجد تارقياًّ يحترف التجارة. إنّما اختاروا لأنفسهم مصادر رزق يرون فيها شرفا، ويجدونها فخرا، وارتاحت إليها نفوسهم، ولا لوم ولا عتاب!! وهم أحرار، ولهم الحريَّة المطلقة. ومن تلك المصادر:

1-الغارات القبلية، أو النهب المسلَّح وقطع الطريق، حيث يسرقون مواشي القبائل المجاورة بل يسرقون أطفال القبيلة ويستعبدونهم ويستغلُّونهم أبشع استغلال، ولا فرق بين التوارق والعرب في هذه الظاهرة؛ ولذلك اشتهر العرب عند السوننكيين بـ" سُرَكَ" (السُرَّاق). وقد ارتبطت العروبة عند قبائل الصحراء بالسرقة وبخاصَّة سرقة الأطفال، ولا يزال العرب الموريتانيون يمارسون هذه الظاهرة اللاإنسانيّة في حقّ جيرانهم السود، سكّان القرى الحدوديّة –حسب علمي- حتى اندلاع ثورة 26 مارس 1991م وطغيان التمرُّد التارقي، حتى تنَّبه الشعب المالي للخطورة، وقدَّموا حلولا مناسبة.

2- خدمة العبيد: حيث يقوم العبيد وBella لكلّ الأعمال الشاقَّة، ويعيش السادة النبلاء من عروقهم ودمائهم.

3- طرق القوافل ( الأدلاّء)، رشَّحهم موقعهم الجغرافي لأن يكونوا حقل وصل بين الشمال الأفريقي والمدن الأفريقيّة جنوب الصحراء؛ فقاموا بدور الدليل أو التكشيف على مدار التاريخ. ويقول ابن بطوطة: (( التكشيف اسم لكلّ رجل من مسوفة يكتريه أهل القافلة))[ رحلة ابن بطوطة 676].  (( واكترينا التكشيف في هذه السَّفرة بمئة مثقال من الذهب، وهو من مسوفة))[ المصدر نفسه  ص676]، (( ولمَّا عزَمتُ على السفر إلى مالي....اكتريتُ دليلا من مسوفة))[ المصدر نفسه 678].

            4- التسوُّل: في حالة العجز لا يأبون عن التسوُّل والتكفُّف مُستغلاًّ علاقة الجوار والتاريخ.

    وقد ظلّ بعض التوارق أوفياء لتلك السلوكيات حتى الآن؛ فاشتدّ التلازم بينهم وبينها تلازم البعير رُغاءه، وتدلُّ عليهم دلالة البعرة على البعير، والدخان على النار، وكلّ ما سمع الناس تمرّدا واختطاف ممتلك ربطتْ أذهانهم بين الحادثة والتوارق.

    وقد استحدثوا وسائلها:

           1- إثارة الثورات المسلَّحة، وإرهاب الحكومات الضعيفة، والتحكُّم في الحكَّام الخَوَنَةبمطالب خياليّة على الشعب المنتج البريء، كوضع جمهورية مالي من تأسيس حزب UDPMإلى اليوم.

وقد احتلّ أفراد من التوارق باسم الشماليين المناصب السياسية والإداريّة والعسكريّة وما زادهم إلاّ تمرُّدا {{ وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقا}} [ الجنّ 6]. ولم تُجدِ المعاهدات، ولم تَشْفَع المناصب التي تبوئوها من غير حقٍّ ولا استحقاق.

              2- اختطاف السُّيَّاح الأجانب من المعاهدين والذميين الذين وفدوا إلى هذا الوطن الحبيب بتأشيرات منحتها السفارات أو القنصليّات الماليّة المعتمدة في الخارج، وبيعهم للقاعدة أو المطالبة بمبالغ.

               3-استغلال المنظَّمات في تمويل مشاريع وهميّة لن تُنفَّذ، بل تنفق الأموال في الكماليات كاللباس الفاخر، والسيارات الفاخرة، والتجوال بين صحراء الشمال والعاصمة.

وقد أُفِقتْ مبالغ طائلة (خياليّة) باسم التنمية في الشِّمال، ولكن دون تنمية، ولا تزال الحاجة ماسَّة إلى ضروريات الحياة من ماء ودواء، وتكثر الوفيّات في الأطفال حتى كأنّ النساء الشماليات يلِدْنَ للموت.

4- تجارة المُخدِّرات وقطع الطرق: وقد فقدتْ الحكومة المركزيّة السيطرة على الأقاليم الشماليّة ما يزيد على عشرين عاما، أو سلَّمتْها قصدا لقُطَّاع الطرق تختطف السيَّارات، والسُّيَّاح الأجانب؛ فينتهي المسلسل التراجيدي بواسطة وجهاء التوارق، والإشادة بجهودهم في استقرار الأمن والسَّلامة، ومنحهم جوائز وميدليّات، دون ضبط الجناة وعقابهم. وقد قصرت الدبلوماسيّة الماليّة هدف التمرُّد المندلع 23 مايو 2006م في حماية طرق تجارة المخدِّرات، وتهريب الأسلحة، كما ورد على لسان وزير الخارجية ورئيس الدبلوماسيّة الماليّة معالي السفير مختار وان في مؤتمر صحفي عقده مع السفراء والمنظمات والهيئات الدوليّة المعتمدة لدى جمهورية مالي.

حياتهم السياسيّة:

تثبت الكتب التاريخيَّة أنَّ التوارق من الشعوب المكوِّنة لمماليك غرب أفريقيا وإمبراطوريّاتها ولكن لم يعرفوا نظاما سياسيًّا، ولم يؤسِّسوا دولة متعارَف عليها كغيرهم من الشعوب[انظر: التوارق، القشاط، ص32] إنَّما جرتْ عادتُهم باستغلال الأحداث وانتهاز ضعف الأنظمة السياسيّة لقضاء وطَرِهم، كما فعلوا مع أهل غانة ؛ إذ انتهزوا ضعفها فاستغلّوا اسم الإسلام والجهاد لتأسيس دولة المرابطين. يقول ابن خلدون: (( ثمّ إنَّ أهل غانة ضعف مُلكُهم، وتلاشى أمرهم، واستفحل أمر الملثَّمين المجاورين لهم من جانب الشمال ممَّا يلي البربر، وعبروا على السودان واستباحوا حماهم وبلادهم، واقتضوا منهم الإتاوات والجزي، وحملوا الكثير منهم على الإسلام فدانوا به))[ العبر2/2479]

لا أدري ولا أكاد أدري أيُّ إسلام حملوا عليه الناس؟ وأيُّ إسلام كان عليه أهل غانة قبل الجهاد المُجهِض؟ وقد نقل ابن خلدون نفسه قوله: (( وكان أهل غانة قد أسلموا في أوّل الفتح الإسلامي، وذُكِر أنَّ بغانة جالية إسلامية كبيرة، وعددًا من المساجد(12) مسجدا منذ عام 60هـ 680م))، بل أسلم ملكها السوننكي تُلُوتَان Tloutan  حوالي 222هـ 877 م بينما يؤرِّخ للدولة المرابطيّة الجهاديَّة بزعيم قبيلة لمتونة محمد المعروف بـ: تارشتي 424هـ 1033م، وعبد الله بين ياسين ت 440هـ بفارق 202عام.

بل إنّ الملك غير المسلم الذي يتعاقب ملوكها المسلمون يقرِّب المسلمين ويحترمهم، ويعتمد عليهم في تسيير أمور الدولة، أيُّ إسلام يجيز قتال مَنْ لم يقاتل المسلمين ولم يتصدَّ للدعوة؟

إنّ التاريخ يعيد نفسه!! وقد انسحب جيش مملكة مالي من تنبكتُو أمام سلطان موشي الذي دخل فيها وأفسدها وحرَّقها وخرَّبها، وقتَّل، فوَلَّى إلى أرضه، ثم رجع إليها أهل مَلِّ وملوكها مئة عام من 637هـ إلى 737هـ.

في آخر دولة أهل مالي أخذ توارق مقشرن (مسوفة) يغيرون على المدينة ويفسدون في الأرض من كلِّ جهة، حتى انسحب النظام المالي، وطرد التوارق حامياتهـ وحكموا تنبكتو وأروان وولاتة أربعين عاما بدءا من 737هـ حتى حرَّرها سُنِّي علي بير في 4/5 رجب 873هـ وذلك بعد ثلاث سنوات من اعتلائه مملكة سنغاي إذا استولى عليه 879هـ؛ فهرب زعيم التوارق أكِلِّ أَكَمَلْوَلْ.

وقد حدث حراك شديد بين التوارق ومجاهدي مملكة دينا بماسينة.

وهناك محاولات مبذولة لمكافحة الاستعمار انتهت بتوقيع اتفاقيّات ومعاهدات.

وقد أعاد التاريخ نفسه فحكموا الشمال شهرين من 30 مارس 2012م إلى اليوم.

                                                     د.عبد الرحمن عبد الله سيسي

                                                 أستاذ في المدرسة العليا لإعداد المعلمين

                                                    بماكو 6/7/1433هـ 27/5/2012م
















تمرُّد التوارق ضدَّ الدولة من عام 1963م إلى2012م

 الأسباب والمبرِّرات



د.عبد القادر إدريس ميغا



  
  إن شمال مالي يعاني منذ عشرات السنين بما يمكننا أن نطلق عليه تمرد الطوارق، وإن كان التمرد قد وصل حِدَّتَه حديثا، ابتداء من سنة 1990م إلى يومنا هذا، إلا أن لها جذورًا عميقة في القدم.
 ولا يمكن معرفة أسباب هذا التمرُّد من غير أن نعرف ماذا كانت عليه حالة الطوارق أثناء الاستعمار حتى الاستقلال، يعني حتى سنة 1960. ومن الصعب أن أسوق الأحداث المتعلقة بمحاولة انفصال الطوارق في تفاصيلها بيد أنني سأحاول أن أقدم إليكم أهم الأحداث المتعلقة بتمرُّدات الطوارق المتكررة.

وسأتناول هذا الموضوع في مرحلتين: قبل وبعد الاستقلال.

       قبل الاستقلال:

كان الطوارق مثل غيرهم من سكان جنوب الصحراء قد عارض أكثرهم الاستعمار بقوة، ولكنهم كغيرهم انهزموا أمام أسلحة المستعمر الفتاكة، ومع ذلك لم يرضَ الطوارق بالهزيمة، وكانت معرفتهم بطبيعة الصحراء وسهولة انتقالهم في أجزائها ممَّا ساعدهم على النجاة من سيطرة المستعمر عليهم سيطرة كاملة. وكانوا ينظرون إلى احتلال الفرنسيين للصحراء تهديدا لهم؛ ولذلك كلما سمُحتْ لهم الظروف ثاروا على القوة المستعمرة، وأشهر هذه الثورات هي الثورة التي قادها فِهْرُومْ أَغْ مُلُول سنة 1916 في أدرانبكان. وكانت النتيجة هزيمته وفراره أمام المستعمر.

أما فكرة انفصال الطوارق عن السودان الفرنسي فقد بدأت تظهر بشكل ضعيف سنة 1957 عند ما حصلت الدول المستعمرة على نصف الاستقلال الذاتي، وحين كتب محمد علي الطاهر من ليبيا (وهو رئيس  قبيلة كلنتصار في تلمسي سابقا) رسالة وأرسلها إلى أخيه محمد المهدي وإلى جميع رؤساء القبائل في الصحراء يدعوهم فيه إلى رفض الالتحام مع السود في دولة واحدة.

وبعد هذا أعلنت فرنسا رسميا ولأوّل مرة عن رغبتها في تأسيس تنظيم تجمع أقاليم الصحراء باسم المنطقة المشتركة لأقاليم الصحراء

             Organisation commune des Régions Sahariennes(OCRS)

وكان الهدف  الحقيق لهذا المشروع في نظر الفرنسيين تحديد المناطق الغنية بالمعادن من الجزائر وشمال مالي والنيجر والشمال الغربي من تشاد وضمها تحت دولة واحدة لصالح فرنسا. ومن عامل الصدفة كان الطوارق من سكان هذه المناطق. وكان المستعمر يُبَرِّر رغبته هذه بالاستجابة لهم في عدم رغبتهم الخضوع لسيطرة السود.

وعلى الرغم من معارضة كثير من نواب أفريقيا السوداء في برلمان فرنسا تم تأسيس هذه المنطقة على الورقة، بالقانون الفرنسي رقم57-7-27  من 10 يناير 1957 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 12/ يناير 1957.

وكانت المرحلة اللاحقة هو العمل من أجل تحسين وتطوير مستوى المعيشة لهؤلاء الطوارق إيحاءً لهم بالاهتمام بهم، وتحقيق الترقية الاقتصادية والاجتماعية لهم المعتمدة على تقاليدهم وهويتهم الثقافية.

ولكن هذا المشروع قد فشل لسببين رئيسين: من ناحية لأن حكومة جمهورية السودان (مالي اليوم) برئاسة مودبو كيتا قد عارضت –بقوة- محاولة التقسيم؛ لأن هذه الأجزاء من الصحراء أرض السودان الغربي منذ الأزل، وليس للطوارق أرض يطالبون بها فيها.

ومن ناحية أخرى لأن رؤساء القبائل والعشائر من السنغاي والطوارق أنفسهم قد عارضوا الانشقاق. – " ففي سنة 1959 جمعت الإدارة الفرنسية في غاو الزعماء والرؤساء لقبائل ما يسمي اليوم بالمنطقتين السابعة والثامنة، حضره تيلجات ممثلا لميناكا، و أيوبا عن أنسونغو، وبادي عن غاو، وعثمان عن بورم، وانتالا عن كيدال “يمثل والده الطاهر” وقد عرض عليهم مشروع “المنطقة المشتركة للمناطق الصحراوية” فرفضوه بالإجماع.

و في أكتوبر1959 جاء المستعمر إلى كيدال حيث عقد اجتماعا كبيرا مع وجهاء الطوارق بحضور وفد يمثل حكومة الجمهورية السودانية برئاسة”مادييرا كايتا” وخلال هذا اللقاء طُرح السؤالُ التالي بكل ما فيه من وضوح ودقة،  طرح على الزعماء السبعة لقبائل الأدرار في الايفوغاس:” السودان يتجه نحو الاستقلال فهل يرغب الأدرار أن يكون طرفا في هذا الاستقلال أو يفضل أن يبقي مع فرنسا؟

وبمثل الوضوح الذي كان عليه السؤال جاءت الإجابة على لسان المتكلم باسم القبائل السيد الطاهر أغ ايلي” لقد قاتلنا فرنسا ونحن جماعة وهزمتنا ونحن جماعة واستعمرتنا ونحن جماعة وهي تواصل استعمارنا جماعة أو تعيد لنا حريتنا جماعة، أن تفرقنا أمر لا سبيل إليه.

وتم سحب فكرة الانشقاق تماما من الساحة السياسية أثناء الاجتماع الأول لحكومة جمهورية السودان بحضور المفوض الأعلى لفرنسا ومفتش المستعمرات الفرنسية. ولكن جرثومة الانشقاق  قد بقيت  في نفوس أصحابه. وأخذت هذه الجرثومة تكبر وتتسع في أوساط الطوارق وبخاصة لما ظهرت عوامل أخرى سأتحدث عنها في محلها.

بعد الاستقلال:

قبيل الاستقلال كان الطوارق موزعين بين الانشقاق والانضمام إلى جمهورية مالي. واستمر رئيس كلنتصر وهو زعيم حركة الانفصال في عناده وفكرته الانفصالية، وأدى ذلك إلى قيام الثورة الطارقية الأولى  سنة 1963م في منطقة إفوغاس داخل أراضي مالي، وتم حسم هذه القضية عسكريا سنة 1964م.

وساعد على إنهاء هذه الثورة إيقاف محمد الطاهر من قبل السلطات المغربية، وزعيم ثورة إفاغاس من قبل السلطات الجزائرية وتحويلهما إلى السلطات المالية، ولكن لا تزال هناك مَنْ تأصلت فكرة الانفصال في ذهنهم، وهؤلاء وجدوا ملجأً في بلد من بلاد المغرب.

وبعد هذا الوقت، ومن أجل منع قيام ثورات أخرى جعلت حكومة مالي الطوارق تحت المراقبة الشديدة بتكثيف حضور الجيش في الصحراء، وتحويل غاو إلى المنطقة العسكرية الأولى.

ثورة 1990م:

الحديث عن مجريات الأحداث المتعلقة بهذه الثورة ليست مجدية بقدر أهمية الأسباب المؤدية إليها وتحليلها، ولذلك سأتناول هذه الأسباب موضحا دورها في قيام الثورة.

يمكن أن نحدد أسبابا ثلاثة لهذه الثورة:

أولا: الجفاف:

في بداية السبعينيات ظهرت كارثة طبيعية من شأنها تغيير حياة القبائل الرعوية إلى الأبد، تتمثل في الجفاف الذي وصف بالجفاف الأكبر في سنتي 1972 و 1973 ونتيجة لهذا الجفاف فقد القبائل الرعوية أكثر من نصف دوابهم، وصحبت ذلك المجاعة والفقر الشديد أدى بالطوارق إلى الرحيل تارة إلى المدن الكبرى على النهر مثل غاو وتمبكتو، وتارة إلى الدول المجارة مثل النيجر ونيجيريا وتشاد والجزائر ولكن اتجاههم نحو ليبيا كان أشد بسبب غناها المستمدة من النفط. ولا يزال جزء من هؤلاء الطوارق إلى يومنا هذا في غدامس بليبيا التي أعلنها القذافي” وطنا “ للرجال الزرق.

ثانيا: التدرُّب على استعمال الأسلحة الثقيلة في ليبيا.

وفي سنة 1986 اتفقت السلطات المالية والسلطات النيجرية على العمل المشترك معا من أجل تحرير أراضي مالي أولا ثم أراضي النيجر من أيدي الطوارق. وكانت النتيجة أن اتحدت الطوارق في النيجر ومالي ، ونادوا معا ولأول مرة باستقلال صحراء مالي وصحراء النيجر لتكوّن دولة الطوارق.

ولتحقيق هذا الهدف لجا كثير منهم إلى ليبيا وعقدوا اتفاقية سرية محتواها أن شباب الطوارق  يساندون القذافي في طموحاته الزعامية  وبسط سيطرته على الدول المجاورة  وعلى العالم العربي  مقابل  دعمه المادي والمعنوي لهم في استقلال الصحراء، و كانت ليبيا قد استغلت هؤلاء الشباب في عمليات عسكرية  في تشاد ولبنان وفي الحرب الإيرانية العراقية، بعد أن دربهم تدريبا جيدا، وهؤلاء الشباب  كانوا يشكلون الأغلبية في ثورة الطوارق لسنة 1990  حتى سنة 1997م.


ثالثا: الرجوع المكثف للاجئين الطوارق:

بعد سنة 1987 بدأت عدة عوامل تجتمع لتسرع خطى رجوع اللاجئين الطوارق: منها انتهاء الحرب بين ليبيا وتشاد، حيث تم استخدام الطوارق في هذه الحرب من قبل ليبيا. ومنها أن المبالغ التي كانت ليبيا تقدمها لهم بدأت تنتقص يوما بعد يوم. ومنها وفاة سَيْنِ كونتشي رئيس النيجر سابقا، وكان يشكل موضع الخوف للطوارق، بل إن علاقته بليبيا لم تكن على ما يرام. وكذلك الإتاحة بموسى تراوري رئيس مالي سابقا الذي كان يشكل هو الآخر خطرا على الطوارق.

وفي ظل هذه العوامل رجع الكثير منهم مع أسلحتهم وأمتعتهم،  وعندما قامت الجزائر في شهر يناير1990م بطرد آلاف البدو اللاجئين عمدوا إلى التجنيد، ليكونوا نواة جيش طارقي مستعد لكل المغامرات. بل إنهم بدأوا ينظمون أنفسهم من الداخل ومن الخارج، وكّونوا حركة باسم (حركات وجبهات موحدة لأزواد)  Mouvements et fronts Unifiés de l'Azawad (MFUA)وكان أول هجوم لهم في تن تبراجين في النيجر ثم قاموا في مالي بعمليات عصابية اختطافية وبتخويف المدنيين وقتلهم، أدت إلى اندلاع الحرب بين الجيش المالي والطوارق لمدة ست سنوات متتالية، قبل الحصول على اتفاقية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

تقارير كاذبة من شأنها أن تزيد الطين بِلَّة:

الطوارق يُبادون في مالي، مالي تقتل طوارقها، إعدامات بالجملة بدون محاكمة، مئات القتلى، مأساة، مذابح، انتهاكات لحقوق الإنسان، هلع وهروب، تلك كانت ملخصا لعناوين المقالات والتحقيقات وتقارير المنظمات الدولية التي تناولت الصراع الدائر في شمال مالي بين المقاتلين الطوارق والجيش المالي، رغم الاختلاف بين المراسلين في تحديد الأسباب التي أدت إلى النزاع وتاريخه، إلا أنهم كانوا على اتفاق في إدانة هجمات الجيش المالي على المدنيين الطوارق الذين يرونهم عُزَّلا، والذين كان من المفترض أن يقوم الجيش ” الوطني” بحمايتهم.

        وإذا كانت التقارير قد وصفت جرائم زعمت أنّ الجيش ارتكبها ضد المدنيين بشكل يدين الدولة ويحملها كامل المسؤولية فيما وقع، فإنها على النقيض من ذلك لم تذكر أية خروقات ولا جرائم قام بها الطرف الثاني في الصراع، وهم المقاتلون الطوارق. والحقيقة أنّه بينما كان الجيش المالي يستهدف معسكرات الطوارق، كانوا هم يجدون في المدنيين والقرى السنغية والفلانية  هدفا سهلا؛ لإشباع رغبتهم في الانتقام؛ ولممارسة الضغط على الجيش النظامي.

  المبررات: هناك مُبرِّرات كثيرة تعلَّل بها هؤلاء المتمردّون في تمرُّدهم، منها:

- يزعمون أن المساعدات الدولية المخصصة لهم كانت تختلس من طرف الحكومة فتفجر السخط فحوله الإيشومار إلى حرب عصابات لم تتوقف منذ ذلك الحين.

-         أنهم مهملون اقتصاديا وسياسيا

-         أن الدولة لا تهتم بتنمية منطقتهم.

ولا يحتاج تفنيد هذه المبررات إلى جهد كبير، فالكل يعلم أنَّ ما تنفقه الدولة على الطوارق لا يجد مثله أي مالي آخر في الشمال. فعلى مستوى السياسة كان بعض الطوارق يتجولون في المناصب الوزارية في حكومات مالي بينما لا نجد في بعض الحكومات أي وزير لا من السنغي ولا من الفلانيين وهم الأكثرية في الشمال، فرئيس المجموعات المحلية من الطوارق، وأذكر أن السديد أَغْ اِنْبَرْكَوَانْ نائب رئيس البرلمان الحالي كان -ولا يزال- هو الذي يمثل مديرية غاو في البرلمان منذ عهد موسى تراوري حتى يومنا هذا مع أن سكان مدينته هو لا يتجاوزون 500 نسمة.

على مستوى الاقتصاد مدير البنك الريفي من الطوارق ويرأس في الآن نفسه مشروع تنمية الشمال الممول من دولة مالي والدول الغربية، و لا ننسى أن مالي كانت تقيم لهم مدارس متنقلة في حلهم وترحالهم كي يتعلم أولادهم، وهو أول خطوة للتنمية. هذه النماذج المذكورة أردتُ بها الاستشهاد فقط؛ إذ لو أردتُ التحدث عن كل ما تقدمه الدولة للطوارق لما استطعتُ.

      الأسباب الحقيقية لثورة1990م:

يأتي في صدارتها عدم الرضا بأن يرأسهم رجل أسود؛ لأن في نظرهم خلق الله السود عبيدا وخُدّاما للآخرين. ثم إن هذه المنطقة  قد تركها الجيش والحكومة المالية للطوارق يعملون بها ما يريدون، فحولوها إلى محور تجارة المخدرات والسجاير، والأسلحة، واختطاف السياح الغربيين، وكل هذا بقصد جمع الأموال والتسلح لليوم المنتظر الذي نعيش فيه اليوم. وهذه العمليات تقتضي حرية التصرف وعدم المراقبة. ولذلك لمَّا أرادت الحكومة إرجاع الجيش إلى الشمال ببناء معسكرات في أهم مدن الصحراء، رأى الطوارق ذلك تهديدا لحريتهم التجارية فلابد من إيقاف الحكومة عن مشروعها.

ثورة يناير 2012م:

لقد عادت ثورة الطوارق بقوة لم يسبق لها مثيل، ولستُ هنا لأتحدث عن تفاصيلها فكل منا عاش هذه الأحداث، فقط أريد أن أتناول أهدافها والخطوات الممهدة لها فيما يلي: 

لا تختلف الأهداف الحقيقية لهذه الثورة عن ذي قبلها، إلا أنها ولأول مرة تصرح  بها علنا وتجعلها شرطا للمفاوضة وهي عدم قبول رئاسة الرجل الأسود، والحل هو الانفصال عن مالي، وهذا الانفصال في مخططهم سيكون على مرحلتين، المرحلة الأولى: الحصول على الاستقلال الذاتي داخل جمهورية مالي لبعض الفترة، والوسيلة هي تخويف جمهورية مالي عن طريق الأسلحة ووسائل الإعلام حتى تقتنع مالي بأن لا خيار لها، فتقبل المشروع.

 وبعد سنوات تأتي المرحلة الثانية وهي الاستقلال النهائي والوسيلة هنا الضغط على مالي عن طريق المحافل الدولية وإلا فبالأسلحة. بَيْد أن الظروف التي مرت بها الدولة سهلت تحقيق أهدافهم في مرحلة واحدة، وهذه الظروف كما سهلت أمامهم الحصول على الأقاليم التي يرونها لهم، أيضا جعلتهم في ورطة وتخبط. فقد وجدوا أنفسهم أمام أراض واسعة من غير استعداد مسبق للمترتبات، من حيث مجالات التنمية: التعليم والصحة والاقتصاد والتنظيم السياسي ... وهذا ما يشكل جزء فشلهم من الآن.

وأما الخطوات الممهدة لها فتتلخص في الآتي: 

أولا : الاتفاقيات المختلفة من عهد موسى تراوري إلى آخر اتفاقية، كل هذه الاتفاقيات كانت تخدم الحالة التي نحن فيها الآن: أذكر منها مثلا سحب الجيش الوطني من منطقة كيدال، واستبدال المتعسكرين الطوارق بهم.

ويمكن أن يضاف إلى هذا البند تخصيص أموال هائلة لتعويض الطوارق وإقامة مشاريع تنموية في المناطق الصحراوية. وقد تم شراء الأسلحة بهذه الأموال.

ثانيا: محاولات إيجاد حل محلي لها:

كانت المحاولات التي قامت بها الحكومات المتعاقبة قد شكلت عقبات أخرى فنجد ألفا عمر كوناري يبعد أغلبية المواطنين في الشمال وهم السنغاي ثم الفلانيون عن ساحة المفاوضات تقليلا من شأنهم بل إن إبراهيم أبو بكر كيتا قد أعلن في غاو بأنهم لا يقبلون جماعة غَندكوي في الجيش؛ لأنهم غانيون وليسوا ماليين. وبالمقابل كل من قدم الطوارق اسمَه يتم ضمه إما إلى الجيش وإما إلى الجمارك أو إلى الشرطة وغيرها من المناصب، وإن كان من النيجر أو من موريتانيا.

كما إن سياسة ألفا كوناري لحل المشكلة  كانت تعتمد على تحويل عرب الصحراء إلى قوة مضادة للطوارق وسرعان ما تحالف الطرفان. كما إن سياسة أمدو تماني توري بعد أن فشلت مع إمازغان ( سورغو) لجأ  إلى أراذل الطوارق لحل المشكلة وهم بسطاء الطوارق ( دَاغَا) مما أغضب أسياد الصحراء ومحاربيها، وفضل الموت على سيادة قبائل داغا عليهم.

ثالثا: ضعف جيش مالي وإفشاء الرشوة بينهم

فمنذ أكثر من عشرين سنة لم يعد لنا جيش يمكن الاعتماد عليه، فأغلب الجيش سماسرة وتجار فلا يلحق بالجيش إلا من يدفع أكثر، فهنا لا يسأل عن الكفاءة واللياقة البدنية. أكثر من هذا أنه أثناء مسابقة الالتحاق بالجيش يُحضِر كبار الجيش في غاو أقاربَهم فيأخذون مقاعد غاو في الجيش وهذا هو الوجه الآخر للرشوة.

رابعامؤامرة كبار المسؤولين في غاو مع الطوارق وتجار المخدرات، وإهانة المواطنين من السنغي والفلانيين، ومن المؤامرات العمل من أجل ألا يكون مَنْ أصله من غاو وَاليًا عليه، ولا أعرف في تاريخ غاو من شغل منصب الوالي وهو من سكان غاو على الأقل منذ عهد موسى تراوري إلى يومنا هذا. بينما لا يكون واليا على كدال إلا من اقترحه سكان كدال وبشروطهم.

  خامسا: موقف الرئيس أمدو تماني توري من فرنسا والجيران الذي لا يحسد عليه 

في السنوات الأخيرة من فترة أمادو تماني توري اشتدت العداوة بينه وبين جيرانه الجزائر موريتانيا من جهة، وبينه وبين فرنسا من جهة أخرى. فقد كانت الجزائر تتهمه بضَعف الشخصية أمام من أسمتهم بالقاعدة، وبالعجز عن محاربتها، وخاصة لما قبل توري تحت تهديدات فرنسا بإطلاق سراح بعض المسجونين من القاعدة مقابل الإفراج عن الفرنسي المختطف. بينما تتهمه فرنسا وموريتانيا بعدم التعاون المشترك من أجل القضاء على القاعدة في الصحراء. والنتيجة أنهم شكلوا ثلاثية عدائية ضده، يترصدونه ويتآمرون ضده عن طريق الطوارق، وإفساد سمعته من الخارج.   

سادسا: نهاية القذافي وتهريب أسلحته إلى مالي وقلة حيلة الرئيس أمدو تماني توري في التعامل معها

تورط الجزائر وليبيا وموريتانيا:

لقد عقدت الجزائر اتفاقيات مع الطوارق مفادها: أن يتكفل الطوارق بمحاربة الجماعة السلفية الجزائرية في صحراء مالي مقابل تمديدهم بالأسلحة والمئونة، والدفاع عنهم في المحافل الدولية والإقليمية، وحذف أسمائهم من الإرهابيين، والترويج لهم عن طريق وسائل الإعلام. والذي يتابع الصحف والإذاعات يعرف أن الصحف الجزائرية تعرف كل حركات الطوارق في الشمال. وفي هذا يقول أحد محللي الجزائر، محمد مقدم الحياة: أفادت مصادر متطابقة أن مختار بلمختار القيادي البارز في «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، كبرى الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية، قُتل مع اثنين من مساعديه خلال تبادل لإطلاق النار مع جماعات معارضة مسلحة في شمال مالي.

ورأت أوساط أمنية جزائرية أن مقتل بلمختار المطلوب دولياً يكتسب أهمية خاصة، لا سيما أنه جاء بعد أقل من أسبوع على إعلان انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة». واعتَبر دبلوماسيون جزائريون مقتل «الأعور» على أيدي مسلحي المعارضة المالية، «هدية» إلى السلطات الجزائرية على الجهود التي بذلتها لوقف الحرب الأهلية التي اندلعت في مالي قبل شهور. ويؤشر استهداف المعارضة المالية أحد قيادات «الجماعة السلفية» إلى رغبة الطوارق في نفي الاتهامات الجزائرية لهم بالارتباط بجماعات إرهابية.

ويعتبر بلمختار (34 عاماً) أحد أبرز قيادات «الجماعة السلفية»، وهو كان منذ تأسيس التنظيم المسلح نهاية العام 1998 «حلقة الربط» الأساسية مع تنظيم «القاعدة»، كما كان المصدر الأساسي للأسلحة والذخيرة التي كانت تحصل عليها الجماعة من شبكات تجارة السلاح التي تنشط في منطقة الساحل الصحراوي.

     أما ليبيا فإنها مدينة للطوارق فقد استخدمتهم في حروبها القذرة كما مر بنا فلا بد من مساعدتهم ماديا ومعنويا للحصول على ما يريدون، وهذا ما تظهره ليبيا، ولكن القذافي له أهداف أخرى يسعى من خلال الطوارق إلى تحقيقها، تتلخص في قيام دولة الساحل والصحراء الكبرى بزعامته على غرار الولايات الأمريكية المتحدة، ولذلك كان يمطر عليهم الأموال والأسلحة تمهيدا لتحقيق هذه الأهداف.

  وأما موريتانيا فمشكلتها هي أن كثيرا من طوارق الصحراء من أصول موريتانية؛ ولذلك أصبحت موريتانيا ملجأ لهم ومنطقة انسحاب استراتيجي في حالة هجوم الجيش المالي، ويضاف إلى ذلك أن موريتانيا هي التي تشجع فكرة عدم  قبول رئاسة الرجل الأسود من قبل البيض، وإن كان السود أضعاف البيض متخذة وضع موريتانيا الحالي دليلا ونموذجا. ولكن موريتانيا تتجاهل تماما الحقائق التاريخية والسياسية لمنطقة شمال مالي......

      مشكلة فرنسا: لقد ذكرنا بأن فرنسا كانت ترغب في ضم المناطق الصحراوية الغنية مع الجزائر إلى ممتلكاتها، الأمر الذي رفضه مودبو كيتا. وهذا يشكل في  نظر فرنسا هزيمة مخجلة لا يسامح عليها، فأرادت  تبديل ذلك بتحويل صحراء مالي إلى منطقة استراتيجية بعد الاستقلال، وهذا الطلب الأخير تمَّ رفضه قطعا من كل الحكومات المتعاقبة.

ولذلك قامت فرنسا بضم اسم مالي إلى القائمة السوداء، والعمل من أجل منع تقدم مالي وازدهارها مستخدمة كل الوسائل بما في ذلك الدفع بالطوارق إلى التمرد والثورات، ودعمهم بالخطط الجهنمية والاستراتيجيات الشيطانية. 

 الحل الدائم لهذه المشكلة: لا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وتقول الحكمة: من لم يأخذ من ملته مات في علته.

الحل هو –أولا- إكثار شباب السنغاي والفلانيين في الجيش الجمهوري، فهم أعرف بطبائع الطوارق من غيرهم، وأجدر بإسكاتهم.

 ثانيا تشجيع قيام حركات شبابية دفاعية من أجل الدفاع عن القرى النائية عن الحواضر حالة هجوم الطارق عليها. وأعتقد أن الكل يتذكر دور غَنْدَكُوْي في إخماد نار ثورة الطوارق السابقة. 

                                         د.عبد القادر إدريس ميغا

                                      أستاذ في جامعة الآداب والعلوم الإنسانية

                                                            بماكو 6/7/1433هـ 27/5/2012م






التمرُّدُ الحالي بشِقَّيْه السياسي والجهادي

أزمة شمال مالي الجذور التاريخية والسياسية

من طرف Abdoul karim CISSE  |  نشر في :  الثلاثاء, أبريل 08, 2014 0 تعليقات

تمرُّد التوارق ضدَّ الدولة من عام 1963م إلى2012م                 






ندوة علميّة بعنوان:


أزمة شمال مالي الجذور التاريخية والسياسية


تاريخ التوارق في شمال مالي

 د.عبد الرحمن سيسي



تمرُّد التوارق ضدَّ الدولة من عام 1963م إلى2012م، الأسباب والمبرِّرات

د.عبد القادر ميغا

التمرُّدُ الحالي بشِقَّيْه السياسي والجهادي

 د.هارون المهدي ميغا


بماكو

يوم الأحد 6/7/1433هـ 27/5/2012م

تاريخ التوارق في شمال مالي



 د.عبد الرحمن عبد الله سيسي




في هذه العُجالة سوف نتناول التوارق من خلال العناصر الآتية:
 - المصطلحات التي أُطلِقَتْ عليهم (أسماؤهم)                                                        
- أصولهم                                                                                       
- حياتهم الاجتماعيّة                                                                              
- حياتهم الاقتصاديّة                                                                                
- حياتهم السياسيّة                                                                                   
أسماؤهم:                                                                                          
عُرِف الشعب التارقي بأسماء متعدِّدة حسب اختلاف الزمان والمكان، ومنها:                       
بربر:

تردَّد هذا المصطلح في كتبات العرب؛ لتعيين القبائل الأعجميّة القاطنة بشمال القارة الأفريقيّة. وزعموا أنّ أفريقش بن قيس هو أوَّل من استخدم المصطلح ساخراً ومُتهكّماً بأصوات لغاتهم الصاخبة والمختلطة.

المُلثَّمون:

عندما أخذ الكُتَّاب يقصدون التحرِّي والدقَّة استخدموا مصطلح (المُلثَّمون) لتخصيص قبائل بربريَّة معيَّنة، ويقول ابن خلدون: (( هم المُلثَّمون الموطّنون بالقفر وراء المال الصحراويّة بالجنوب...وصاروا ما بين بلاد البربر وبلاد السودان)) [ كتاب العبرط1، 2/2287]. وأخرجهم من الجنس البربري العامّ بنعتهم بالتلثُّم، وتحديد موقعهم الجغرافي.

الطوارق، التوارق، التوارك:

ظهر هذا المصطلح عند الكُتّاب السودانيين مستبدلاً بالمُلثَّمين في القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، ولكن لم يُحدِّدْ أصل التسمية، ومقصودها. ويقول السعدي: (( التوارق هم المسوفة، ينتسبون إلى صنهاجة، وصنهاجة يرفعون أنسابهم إلى حِميَر، وليس بينهم وبين البربر نسب إلاّ الرحم، وأنّهم خرجوا من اليمن وارتحلوا إلى الصحراء، موطنهم بالمغرب))

أصولهم:

تباعدتْ وجهات النظر في أصل التوارق، وبعضها منسوجة في منوال الأسطورة، ولكن لها مغزى اجتماعي، لتعبيرها عن نظرة الشعوب المجاورة لهم إليهم، منها:

أ‌-     براءة آدم عليه السلام منهم، ونفيه انتسابهم إليه، كما ورد على لسان الشاعر الأندلسي السمسيري:    

رأيتُ آدم في نومي فقلتُ له         أبا البريّة إنّ الناس حكموا

أنَّ البربر نسلٌ منك، قال-إذن-    حواء طالقة إن كان ما زعموا

ب‌-هُجناء من إماء فارسيّات وآباء من الجنّ؛ فجمعوا بين طبيعة الجنّ وصورة بني آدم. وهذا يُمثِّل وجهة نظر سنغي(سنغاي) التي تفترض وجود علاقة نسب ووشيجة قرابة بين الطوارق(البربر) والشياطين من حيث الطبع والسلوك[ تاريخ الفتاش ص29].

ج- ادِّعاء العروبة [انظر: تاريخ السودان للسعدي ص25، والتوارق، للقشاط ص73]

د- دعوى اليهوديَّة. هذا الرأي لا تستند إلى دليل تاريخي قويّ.

هـ- أخيرا: أعتقد أنّ التوارق من القبائل الحامية القاطنة في شمال أفريقيا، وتعرَّتْ لغزوات خارجيّة نتج عنها اختلاط عرقي ودموي بين الغُزاة والمغزوِّين، واندمج فيهم اليهود للتقارب اللَّوني عند ما أراد ملوك سنغاي البطش بهم [ راجع تاريخ الفتاش 62].

التوارق والمواطنة:

للتوارق حقُّ المواطنة التاريخيّة، والمدنيّة الحديثة، وهم أقليَّة يسكنون في شمال جمهوريّة مالي من تنبكتو...  بإقليم موبتي، مجاورين للقبائل الأخرى حتى حدود الجزائر والنيجر.

حياتهم الاجتماعيّة:

يتميَّز المجتمع التارقي بالتماسك والتعاضد؛ وذلك لاحترامه البناء الهرمي التسلسلي الذي يتألَّف من الأسرة التي تعدُّ الخلية الصغرى ، وتسمَّى (الخيمة)فالعشيرة التي تتألَّف من أسر متعدِّدة تربطها قرابة الدم والولاء. فالحيّ(الحلّة) التي تمثِّل مجتمعا كبيرا. فالقبيلة التي تتكوَّن من مجموعة من الأحياء التي تنتمي إليها.

الطبقات الاجتماعيّة:

يتألَّف المجتمع التارقي من طبقات أهمُّها:

أ‌-     طبقة الأحرار النبلاء، وتنقسم إلى:

1- إموشار Imouchar أو إمازيغان Imajghan.

2- طبقة الأحرار غير طامحين في الزعامة، إمغاد Imagad، وإدنان Idnan.

ب- الطبقة المتديِّنة أو المتفقِّهة Inesemes: 1-الأشراف  2- كَلْ انتصار  3-كَلْ السوك

ج- الطبقة الدنيئة:

1- المولَّدون من إموشار وغيرها Iregeynaten

2- الحرفيون والمهنيُّون أو الحدَّادون والفنّانون

3- العبيد المملوكون Iklen و Bella

حياتهم الاقتصاديّة:

إنّ التوارق لَشعبٌ غاصٌّ في عمق المعاجم؛ فأدرك معاني مادّة مهن وحرف، ووعاها فترفَّع عن كلّ ما له علاقة بهذه الجذور؛ لعلاقتها الوثيقة بالعبوديّة والدونيّة حتى الزراعة. (( ويحتقر التوارق الزراعة ولا يحسنونها أصلا، ويعدُّونها من عمل العبيد))[التوارق، القشاط ص85]. حتى التجارة قلَّ أن تجد تارقياًّ يحترف التجارة. إنّما اختاروا لأنفسهم مصادر رزق يرون فيها شرفا، ويجدونها فخرا، وارتاحت إليها نفوسهم، ولا لوم ولا عتاب!! وهم أحرار، ولهم الحريَّة المطلقة. ومن تلك المصادر:

1-الغارات القبلية، أو النهب المسلَّح وقطع الطريق، حيث يسرقون مواشي القبائل المجاورة بل يسرقون أطفال القبيلة ويستعبدونهم ويستغلُّونهم أبشع استغلال، ولا فرق بين التوارق والعرب في هذه الظاهرة؛ ولذلك اشتهر العرب عند السوننكيين بـ" سُرَكَ" (السُرَّاق). وقد ارتبطت العروبة عند قبائل الصحراء بالسرقة وبخاصَّة سرقة الأطفال، ولا يزال العرب الموريتانيون يمارسون هذه الظاهرة اللاإنسانيّة في حقّ جيرانهم السود، سكّان القرى الحدوديّة –حسب علمي- حتى اندلاع ثورة 26 مارس 1991م وطغيان التمرُّد التارقي، حتى تنَّبه الشعب المالي للخطورة، وقدَّموا حلولا مناسبة.

2- خدمة العبيد: حيث يقوم العبيد وBella لكلّ الأعمال الشاقَّة، ويعيش السادة النبلاء من عروقهم ودمائهم.

3- طرق القوافل ( الأدلاّء)، رشَّحهم موقعهم الجغرافي لأن يكونوا حقل وصل بين الشمال الأفريقي والمدن الأفريقيّة جنوب الصحراء؛ فقاموا بدور الدليل أو التكشيف على مدار التاريخ. ويقول ابن بطوطة: (( التكشيف اسم لكلّ رجل من مسوفة يكتريه أهل القافلة))[ رحلة ابن بطوطة 676].  (( واكترينا التكشيف في هذه السَّفرة بمئة مثقال من الذهب، وهو من مسوفة))[ المصدر نفسه  ص676]، (( ولمَّا عزَمتُ على السفر إلى مالي....اكتريتُ دليلا من مسوفة))[ المصدر نفسه 678].

            4- التسوُّل: في حالة العجز لا يأبون عن التسوُّل والتكفُّف مُستغلاًّ علاقة الجوار والتاريخ.

    وقد ظلّ بعض التوارق أوفياء لتلك السلوكيات حتى الآن؛ فاشتدّ التلازم بينهم وبينها تلازم البعير رُغاءه، وتدلُّ عليهم دلالة البعرة على البعير، والدخان على النار، وكلّ ما سمع الناس تمرّدا واختطاف ممتلك ربطتْ أذهانهم بين الحادثة والتوارق.

    وقد استحدثوا وسائلها:

           1- إثارة الثورات المسلَّحة، وإرهاب الحكومات الضعيفة، والتحكُّم في الحكَّام الخَوَنَةبمطالب خياليّة على الشعب المنتج البريء، كوضع جمهورية مالي من تأسيس حزب UDPMإلى اليوم.

وقد احتلّ أفراد من التوارق باسم الشماليين المناصب السياسية والإداريّة والعسكريّة وما زادهم إلاّ تمرُّدا {{ وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقا}} [ الجنّ 6]. ولم تُجدِ المعاهدات، ولم تَشْفَع المناصب التي تبوئوها من غير حقٍّ ولا استحقاق.

              2- اختطاف السُّيَّاح الأجانب من المعاهدين والذميين الذين وفدوا إلى هذا الوطن الحبيب بتأشيرات منحتها السفارات أو القنصليّات الماليّة المعتمدة في الخارج، وبيعهم للقاعدة أو المطالبة بمبالغ.

               3-استغلال المنظَّمات في تمويل مشاريع وهميّة لن تُنفَّذ، بل تنفق الأموال في الكماليات كاللباس الفاخر، والسيارات الفاخرة، والتجوال بين صحراء الشمال والعاصمة.

وقد أُفِقتْ مبالغ طائلة (خياليّة) باسم التنمية في الشِّمال، ولكن دون تنمية، ولا تزال الحاجة ماسَّة إلى ضروريات الحياة من ماء ودواء، وتكثر الوفيّات في الأطفال حتى كأنّ النساء الشماليات يلِدْنَ للموت.

4- تجارة المُخدِّرات وقطع الطرق: وقد فقدتْ الحكومة المركزيّة السيطرة على الأقاليم الشماليّة ما يزيد على عشرين عاما، أو سلَّمتْها قصدا لقُطَّاع الطرق تختطف السيَّارات، والسُّيَّاح الأجانب؛ فينتهي المسلسل التراجيدي بواسطة وجهاء التوارق، والإشادة بجهودهم في استقرار الأمن والسَّلامة، ومنحهم جوائز وميدليّات، دون ضبط الجناة وعقابهم. وقد قصرت الدبلوماسيّة الماليّة هدف التمرُّد المندلع 23 مايو 2006م في حماية طرق تجارة المخدِّرات، وتهريب الأسلحة، كما ورد على لسان وزير الخارجية ورئيس الدبلوماسيّة الماليّة معالي السفير مختار وان في مؤتمر صحفي عقده مع السفراء والمنظمات والهيئات الدوليّة المعتمدة لدى جمهورية مالي.

حياتهم السياسيّة:

تثبت الكتب التاريخيَّة أنَّ التوارق من الشعوب المكوِّنة لمماليك غرب أفريقيا وإمبراطوريّاتها ولكن لم يعرفوا نظاما سياسيًّا، ولم يؤسِّسوا دولة متعارَف عليها كغيرهم من الشعوب[انظر: التوارق، القشاط، ص32] إنَّما جرتْ عادتُهم باستغلال الأحداث وانتهاز ضعف الأنظمة السياسيّة لقضاء وطَرِهم، كما فعلوا مع أهل غانة ؛ إذ انتهزوا ضعفها فاستغلّوا اسم الإسلام والجهاد لتأسيس دولة المرابطين. يقول ابن خلدون: (( ثمّ إنَّ أهل غانة ضعف مُلكُهم، وتلاشى أمرهم، واستفحل أمر الملثَّمين المجاورين لهم من جانب الشمال ممَّا يلي البربر، وعبروا على السودان واستباحوا حماهم وبلادهم، واقتضوا منهم الإتاوات والجزي، وحملوا الكثير منهم على الإسلام فدانوا به))[ العبر2/2479]

لا أدري ولا أكاد أدري أيُّ إسلام حملوا عليه الناس؟ وأيُّ إسلام كان عليه أهل غانة قبل الجهاد المُجهِض؟ وقد نقل ابن خلدون نفسه قوله: (( وكان أهل غانة قد أسلموا في أوّل الفتح الإسلامي، وذُكِر أنَّ بغانة جالية إسلامية كبيرة، وعددًا من المساجد(12) مسجدا منذ عام 60هـ 680م))، بل أسلم ملكها السوننكي تُلُوتَان Tloutan  حوالي 222هـ 877 م بينما يؤرِّخ للدولة المرابطيّة الجهاديَّة بزعيم قبيلة لمتونة محمد المعروف بـ: تارشتي 424هـ 1033م، وعبد الله بين ياسين ت 440هـ بفارق 202عام.

بل إنّ الملك غير المسلم الذي يتعاقب ملوكها المسلمون يقرِّب المسلمين ويحترمهم، ويعتمد عليهم في تسيير أمور الدولة، أيُّ إسلام يجيز قتال مَنْ لم يقاتل المسلمين ولم يتصدَّ للدعوة؟

إنّ التاريخ يعيد نفسه!! وقد انسحب جيش مملكة مالي من تنبكتُو أمام سلطان موشي الذي دخل فيها وأفسدها وحرَّقها وخرَّبها، وقتَّل، فوَلَّى إلى أرضه، ثم رجع إليها أهل مَلِّ وملوكها مئة عام من 637هـ إلى 737هـ.

في آخر دولة أهل مالي أخذ توارق مقشرن (مسوفة) يغيرون على المدينة ويفسدون في الأرض من كلِّ جهة، حتى انسحب النظام المالي، وطرد التوارق حامياتهـ وحكموا تنبكتو وأروان وولاتة أربعين عاما بدءا من 737هـ حتى حرَّرها سُنِّي علي بير في 4/5 رجب 873هـ وذلك بعد ثلاث سنوات من اعتلائه مملكة سنغاي إذا استولى عليه 879هـ؛ فهرب زعيم التوارق أكِلِّ أَكَمَلْوَلْ.

وقد حدث حراك شديد بين التوارق ومجاهدي مملكة دينا بماسينة.

وهناك محاولات مبذولة لمكافحة الاستعمار انتهت بتوقيع اتفاقيّات ومعاهدات.

وقد أعاد التاريخ نفسه فحكموا الشمال شهرين من 30 مارس 2012م إلى اليوم.

                                                     د.عبد الرحمن عبد الله سيسي

                                                 أستاذ في المدرسة العليا لإعداد المعلمين

                                                    بماكو 6/7/1433هـ 27/5/2012م
















تمرُّد التوارق ضدَّ الدولة من عام 1963م إلى2012م

 الأسباب والمبرِّرات



د.عبد القادر إدريس ميغا



  
  إن شمال مالي يعاني منذ عشرات السنين بما يمكننا أن نطلق عليه تمرد الطوارق، وإن كان التمرد قد وصل حِدَّتَه حديثا، ابتداء من سنة 1990م إلى يومنا هذا، إلا أن لها جذورًا عميقة في القدم.
 ولا يمكن معرفة أسباب هذا التمرُّد من غير أن نعرف ماذا كانت عليه حالة الطوارق أثناء الاستعمار حتى الاستقلال، يعني حتى سنة 1960. ومن الصعب أن أسوق الأحداث المتعلقة بمحاولة انفصال الطوارق في تفاصيلها بيد أنني سأحاول أن أقدم إليكم أهم الأحداث المتعلقة بتمرُّدات الطوارق المتكررة.

وسأتناول هذا الموضوع في مرحلتين: قبل وبعد الاستقلال.

       قبل الاستقلال:

كان الطوارق مثل غيرهم من سكان جنوب الصحراء قد عارض أكثرهم الاستعمار بقوة، ولكنهم كغيرهم انهزموا أمام أسلحة المستعمر الفتاكة، ومع ذلك لم يرضَ الطوارق بالهزيمة، وكانت معرفتهم بطبيعة الصحراء وسهولة انتقالهم في أجزائها ممَّا ساعدهم على النجاة من سيطرة المستعمر عليهم سيطرة كاملة. وكانوا ينظرون إلى احتلال الفرنسيين للصحراء تهديدا لهم؛ ولذلك كلما سمُحتْ لهم الظروف ثاروا على القوة المستعمرة، وأشهر هذه الثورات هي الثورة التي قادها فِهْرُومْ أَغْ مُلُول سنة 1916 في أدرانبكان. وكانت النتيجة هزيمته وفراره أمام المستعمر.

أما فكرة انفصال الطوارق عن السودان الفرنسي فقد بدأت تظهر بشكل ضعيف سنة 1957 عند ما حصلت الدول المستعمرة على نصف الاستقلال الذاتي، وحين كتب محمد علي الطاهر من ليبيا (وهو رئيس  قبيلة كلنتصار في تلمسي سابقا) رسالة وأرسلها إلى أخيه محمد المهدي وإلى جميع رؤساء القبائل في الصحراء يدعوهم فيه إلى رفض الالتحام مع السود في دولة واحدة.

وبعد هذا أعلنت فرنسا رسميا ولأوّل مرة عن رغبتها في تأسيس تنظيم تجمع أقاليم الصحراء باسم المنطقة المشتركة لأقاليم الصحراء

             Organisation commune des Régions Sahariennes(OCRS)

وكان الهدف  الحقيق لهذا المشروع في نظر الفرنسيين تحديد المناطق الغنية بالمعادن من الجزائر وشمال مالي والنيجر والشمال الغربي من تشاد وضمها تحت دولة واحدة لصالح فرنسا. ومن عامل الصدفة كان الطوارق من سكان هذه المناطق. وكان المستعمر يُبَرِّر رغبته هذه بالاستجابة لهم في عدم رغبتهم الخضوع لسيطرة السود.

وعلى الرغم من معارضة كثير من نواب أفريقيا السوداء في برلمان فرنسا تم تأسيس هذه المنطقة على الورقة، بالقانون الفرنسي رقم57-7-27  من 10 يناير 1957 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 12/ يناير 1957.

وكانت المرحلة اللاحقة هو العمل من أجل تحسين وتطوير مستوى المعيشة لهؤلاء الطوارق إيحاءً لهم بالاهتمام بهم، وتحقيق الترقية الاقتصادية والاجتماعية لهم المعتمدة على تقاليدهم وهويتهم الثقافية.

ولكن هذا المشروع قد فشل لسببين رئيسين: من ناحية لأن حكومة جمهورية السودان (مالي اليوم) برئاسة مودبو كيتا قد عارضت –بقوة- محاولة التقسيم؛ لأن هذه الأجزاء من الصحراء أرض السودان الغربي منذ الأزل، وليس للطوارق أرض يطالبون بها فيها.

ومن ناحية أخرى لأن رؤساء القبائل والعشائر من السنغاي والطوارق أنفسهم قد عارضوا الانشقاق. – " ففي سنة 1959 جمعت الإدارة الفرنسية في غاو الزعماء والرؤساء لقبائل ما يسمي اليوم بالمنطقتين السابعة والثامنة، حضره تيلجات ممثلا لميناكا، و أيوبا عن أنسونغو، وبادي عن غاو، وعثمان عن بورم، وانتالا عن كيدال “يمثل والده الطاهر” وقد عرض عليهم مشروع “المنطقة المشتركة للمناطق الصحراوية” فرفضوه بالإجماع.

و في أكتوبر1959 جاء المستعمر إلى كيدال حيث عقد اجتماعا كبيرا مع وجهاء الطوارق بحضور وفد يمثل حكومة الجمهورية السودانية برئاسة”مادييرا كايتا” وخلال هذا اللقاء طُرح السؤالُ التالي بكل ما فيه من وضوح ودقة،  طرح على الزعماء السبعة لقبائل الأدرار في الايفوغاس:” السودان يتجه نحو الاستقلال فهل يرغب الأدرار أن يكون طرفا في هذا الاستقلال أو يفضل أن يبقي مع فرنسا؟

وبمثل الوضوح الذي كان عليه السؤال جاءت الإجابة على لسان المتكلم باسم القبائل السيد الطاهر أغ ايلي” لقد قاتلنا فرنسا ونحن جماعة وهزمتنا ونحن جماعة واستعمرتنا ونحن جماعة وهي تواصل استعمارنا جماعة أو تعيد لنا حريتنا جماعة، أن تفرقنا أمر لا سبيل إليه.

وتم سحب فكرة الانشقاق تماما من الساحة السياسية أثناء الاجتماع الأول لحكومة جمهورية السودان بحضور المفوض الأعلى لفرنسا ومفتش المستعمرات الفرنسية. ولكن جرثومة الانشقاق  قد بقيت  في نفوس أصحابه. وأخذت هذه الجرثومة تكبر وتتسع في أوساط الطوارق وبخاصة لما ظهرت عوامل أخرى سأتحدث عنها في محلها.

بعد الاستقلال:

قبيل الاستقلال كان الطوارق موزعين بين الانشقاق والانضمام إلى جمهورية مالي. واستمر رئيس كلنتصر وهو زعيم حركة الانفصال في عناده وفكرته الانفصالية، وأدى ذلك إلى قيام الثورة الطارقية الأولى  سنة 1963م في منطقة إفوغاس داخل أراضي مالي، وتم حسم هذه القضية عسكريا سنة 1964م.

وساعد على إنهاء هذه الثورة إيقاف محمد الطاهر من قبل السلطات المغربية، وزعيم ثورة إفاغاس من قبل السلطات الجزائرية وتحويلهما إلى السلطات المالية، ولكن لا تزال هناك مَنْ تأصلت فكرة الانفصال في ذهنهم، وهؤلاء وجدوا ملجأً في بلد من بلاد المغرب.

وبعد هذا الوقت، ومن أجل منع قيام ثورات أخرى جعلت حكومة مالي الطوارق تحت المراقبة الشديدة بتكثيف حضور الجيش في الصحراء، وتحويل غاو إلى المنطقة العسكرية الأولى.

ثورة 1990م:

الحديث عن مجريات الأحداث المتعلقة بهذه الثورة ليست مجدية بقدر أهمية الأسباب المؤدية إليها وتحليلها، ولذلك سأتناول هذه الأسباب موضحا دورها في قيام الثورة.

يمكن أن نحدد أسبابا ثلاثة لهذه الثورة:

أولا: الجفاف:

في بداية السبعينيات ظهرت كارثة طبيعية من شأنها تغيير حياة القبائل الرعوية إلى الأبد، تتمثل في الجفاف الذي وصف بالجفاف الأكبر في سنتي 1972 و 1973 ونتيجة لهذا الجفاف فقد القبائل الرعوية أكثر من نصف دوابهم، وصحبت ذلك المجاعة والفقر الشديد أدى بالطوارق إلى الرحيل تارة إلى المدن الكبرى على النهر مثل غاو وتمبكتو، وتارة إلى الدول المجارة مثل النيجر ونيجيريا وتشاد والجزائر ولكن اتجاههم نحو ليبيا كان أشد بسبب غناها المستمدة من النفط. ولا يزال جزء من هؤلاء الطوارق إلى يومنا هذا في غدامس بليبيا التي أعلنها القذافي” وطنا “ للرجال الزرق.

ثانيا: التدرُّب على استعمال الأسلحة الثقيلة في ليبيا.

وفي سنة 1986 اتفقت السلطات المالية والسلطات النيجرية على العمل المشترك معا من أجل تحرير أراضي مالي أولا ثم أراضي النيجر من أيدي الطوارق. وكانت النتيجة أن اتحدت الطوارق في النيجر ومالي ، ونادوا معا ولأول مرة باستقلال صحراء مالي وصحراء النيجر لتكوّن دولة الطوارق.

ولتحقيق هذا الهدف لجا كثير منهم إلى ليبيا وعقدوا اتفاقية سرية محتواها أن شباب الطوارق  يساندون القذافي في طموحاته الزعامية  وبسط سيطرته على الدول المجاورة  وعلى العالم العربي  مقابل  دعمه المادي والمعنوي لهم في استقلال الصحراء، و كانت ليبيا قد استغلت هؤلاء الشباب في عمليات عسكرية  في تشاد ولبنان وفي الحرب الإيرانية العراقية، بعد أن دربهم تدريبا جيدا، وهؤلاء الشباب  كانوا يشكلون الأغلبية في ثورة الطوارق لسنة 1990  حتى سنة 1997م.


ثالثا: الرجوع المكثف للاجئين الطوارق:

بعد سنة 1987 بدأت عدة عوامل تجتمع لتسرع خطى رجوع اللاجئين الطوارق: منها انتهاء الحرب بين ليبيا وتشاد، حيث تم استخدام الطوارق في هذه الحرب من قبل ليبيا. ومنها أن المبالغ التي كانت ليبيا تقدمها لهم بدأت تنتقص يوما بعد يوم. ومنها وفاة سَيْنِ كونتشي رئيس النيجر سابقا، وكان يشكل موضع الخوف للطوارق، بل إن علاقته بليبيا لم تكن على ما يرام. وكذلك الإتاحة بموسى تراوري رئيس مالي سابقا الذي كان يشكل هو الآخر خطرا على الطوارق.

وفي ظل هذه العوامل رجع الكثير منهم مع أسلحتهم وأمتعتهم،  وعندما قامت الجزائر في شهر يناير1990م بطرد آلاف البدو اللاجئين عمدوا إلى التجنيد، ليكونوا نواة جيش طارقي مستعد لكل المغامرات. بل إنهم بدأوا ينظمون أنفسهم من الداخل ومن الخارج، وكّونوا حركة باسم (حركات وجبهات موحدة لأزواد)  Mouvements et fronts Unifiés de l'Azawad (MFUA)وكان أول هجوم لهم في تن تبراجين في النيجر ثم قاموا في مالي بعمليات عصابية اختطافية وبتخويف المدنيين وقتلهم، أدت إلى اندلاع الحرب بين الجيش المالي والطوارق لمدة ست سنوات متتالية، قبل الحصول على اتفاقية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

تقارير كاذبة من شأنها أن تزيد الطين بِلَّة:

الطوارق يُبادون في مالي، مالي تقتل طوارقها، إعدامات بالجملة بدون محاكمة، مئات القتلى، مأساة، مذابح، انتهاكات لحقوق الإنسان، هلع وهروب، تلك كانت ملخصا لعناوين المقالات والتحقيقات وتقارير المنظمات الدولية التي تناولت الصراع الدائر في شمال مالي بين المقاتلين الطوارق والجيش المالي، رغم الاختلاف بين المراسلين في تحديد الأسباب التي أدت إلى النزاع وتاريخه، إلا أنهم كانوا على اتفاق في إدانة هجمات الجيش المالي على المدنيين الطوارق الذين يرونهم عُزَّلا، والذين كان من المفترض أن يقوم الجيش ” الوطني” بحمايتهم.

        وإذا كانت التقارير قد وصفت جرائم زعمت أنّ الجيش ارتكبها ضد المدنيين بشكل يدين الدولة ويحملها كامل المسؤولية فيما وقع، فإنها على النقيض من ذلك لم تذكر أية خروقات ولا جرائم قام بها الطرف الثاني في الصراع، وهم المقاتلون الطوارق. والحقيقة أنّه بينما كان الجيش المالي يستهدف معسكرات الطوارق، كانوا هم يجدون في المدنيين والقرى السنغية والفلانية  هدفا سهلا؛ لإشباع رغبتهم في الانتقام؛ ولممارسة الضغط على الجيش النظامي.

  المبررات: هناك مُبرِّرات كثيرة تعلَّل بها هؤلاء المتمردّون في تمرُّدهم، منها:

- يزعمون أن المساعدات الدولية المخصصة لهم كانت تختلس من طرف الحكومة فتفجر السخط فحوله الإيشومار إلى حرب عصابات لم تتوقف منذ ذلك الحين.

-         أنهم مهملون اقتصاديا وسياسيا

-         أن الدولة لا تهتم بتنمية منطقتهم.

ولا يحتاج تفنيد هذه المبررات إلى جهد كبير، فالكل يعلم أنَّ ما تنفقه الدولة على الطوارق لا يجد مثله أي مالي آخر في الشمال. فعلى مستوى السياسة كان بعض الطوارق يتجولون في المناصب الوزارية في حكومات مالي بينما لا نجد في بعض الحكومات أي وزير لا من السنغي ولا من الفلانيين وهم الأكثرية في الشمال، فرئيس المجموعات المحلية من الطوارق، وأذكر أن السديد أَغْ اِنْبَرْكَوَانْ نائب رئيس البرلمان الحالي كان -ولا يزال- هو الذي يمثل مديرية غاو في البرلمان منذ عهد موسى تراوري حتى يومنا هذا مع أن سكان مدينته هو لا يتجاوزون 500 نسمة.

على مستوى الاقتصاد مدير البنك الريفي من الطوارق ويرأس في الآن نفسه مشروع تنمية الشمال الممول من دولة مالي والدول الغربية، و لا ننسى أن مالي كانت تقيم لهم مدارس متنقلة في حلهم وترحالهم كي يتعلم أولادهم، وهو أول خطوة للتنمية. هذه النماذج المذكورة أردتُ بها الاستشهاد فقط؛ إذ لو أردتُ التحدث عن كل ما تقدمه الدولة للطوارق لما استطعتُ.

      الأسباب الحقيقية لثورة1990م:

يأتي في صدارتها عدم الرضا بأن يرأسهم رجل أسود؛ لأن في نظرهم خلق الله السود عبيدا وخُدّاما للآخرين. ثم إن هذه المنطقة  قد تركها الجيش والحكومة المالية للطوارق يعملون بها ما يريدون، فحولوها إلى محور تجارة المخدرات والسجاير، والأسلحة، واختطاف السياح الغربيين، وكل هذا بقصد جمع الأموال والتسلح لليوم المنتظر الذي نعيش فيه اليوم. وهذه العمليات تقتضي حرية التصرف وعدم المراقبة. ولذلك لمَّا أرادت الحكومة إرجاع الجيش إلى الشمال ببناء معسكرات في أهم مدن الصحراء، رأى الطوارق ذلك تهديدا لحريتهم التجارية فلابد من إيقاف الحكومة عن مشروعها.

ثورة يناير 2012م:

لقد عادت ثورة الطوارق بقوة لم يسبق لها مثيل، ولستُ هنا لأتحدث عن تفاصيلها فكل منا عاش هذه الأحداث، فقط أريد أن أتناول أهدافها والخطوات الممهدة لها فيما يلي: 

لا تختلف الأهداف الحقيقية لهذه الثورة عن ذي قبلها، إلا أنها ولأول مرة تصرح  بها علنا وتجعلها شرطا للمفاوضة وهي عدم قبول رئاسة الرجل الأسود، والحل هو الانفصال عن مالي، وهذا الانفصال في مخططهم سيكون على مرحلتين، المرحلة الأولى: الحصول على الاستقلال الذاتي داخل جمهورية مالي لبعض الفترة، والوسيلة هي تخويف جمهورية مالي عن طريق الأسلحة ووسائل الإعلام حتى تقتنع مالي بأن لا خيار لها، فتقبل المشروع.

 وبعد سنوات تأتي المرحلة الثانية وهي الاستقلال النهائي والوسيلة هنا الضغط على مالي عن طريق المحافل الدولية وإلا فبالأسلحة. بَيْد أن الظروف التي مرت بها الدولة سهلت تحقيق أهدافهم في مرحلة واحدة، وهذه الظروف كما سهلت أمامهم الحصول على الأقاليم التي يرونها لهم، أيضا جعلتهم في ورطة وتخبط. فقد وجدوا أنفسهم أمام أراض واسعة من غير استعداد مسبق للمترتبات، من حيث مجالات التنمية: التعليم والصحة والاقتصاد والتنظيم السياسي ... وهذا ما يشكل جزء فشلهم من الآن.

وأما الخطوات الممهدة لها فتتلخص في الآتي: 

أولا : الاتفاقيات المختلفة من عهد موسى تراوري إلى آخر اتفاقية، كل هذه الاتفاقيات كانت تخدم الحالة التي نحن فيها الآن: أذكر منها مثلا سحب الجيش الوطني من منطقة كيدال، واستبدال المتعسكرين الطوارق بهم.

ويمكن أن يضاف إلى هذا البند تخصيص أموال هائلة لتعويض الطوارق وإقامة مشاريع تنموية في المناطق الصحراوية. وقد تم شراء الأسلحة بهذه الأموال.

ثانيا: محاولات إيجاد حل محلي لها:

كانت المحاولات التي قامت بها الحكومات المتعاقبة قد شكلت عقبات أخرى فنجد ألفا عمر كوناري يبعد أغلبية المواطنين في الشمال وهم السنغاي ثم الفلانيون عن ساحة المفاوضات تقليلا من شأنهم بل إن إبراهيم أبو بكر كيتا قد أعلن في غاو بأنهم لا يقبلون جماعة غَندكوي في الجيش؛ لأنهم غانيون وليسوا ماليين. وبالمقابل كل من قدم الطوارق اسمَه يتم ضمه إما إلى الجيش وإما إلى الجمارك أو إلى الشرطة وغيرها من المناصب، وإن كان من النيجر أو من موريتانيا.

كما إن سياسة ألفا كوناري لحل المشكلة  كانت تعتمد على تحويل عرب الصحراء إلى قوة مضادة للطوارق وسرعان ما تحالف الطرفان. كما إن سياسة أمدو تماني توري بعد أن فشلت مع إمازغان ( سورغو) لجأ  إلى أراذل الطوارق لحل المشكلة وهم بسطاء الطوارق ( دَاغَا) مما أغضب أسياد الصحراء ومحاربيها، وفضل الموت على سيادة قبائل داغا عليهم.

ثالثا: ضعف جيش مالي وإفشاء الرشوة بينهم

فمنذ أكثر من عشرين سنة لم يعد لنا جيش يمكن الاعتماد عليه، فأغلب الجيش سماسرة وتجار فلا يلحق بالجيش إلا من يدفع أكثر، فهنا لا يسأل عن الكفاءة واللياقة البدنية. أكثر من هذا أنه أثناء مسابقة الالتحاق بالجيش يُحضِر كبار الجيش في غاو أقاربَهم فيأخذون مقاعد غاو في الجيش وهذا هو الوجه الآخر للرشوة.

رابعامؤامرة كبار المسؤولين في غاو مع الطوارق وتجار المخدرات، وإهانة المواطنين من السنغي والفلانيين، ومن المؤامرات العمل من أجل ألا يكون مَنْ أصله من غاو وَاليًا عليه، ولا أعرف في تاريخ غاو من شغل منصب الوالي وهو من سكان غاو على الأقل منذ عهد موسى تراوري إلى يومنا هذا. بينما لا يكون واليا على كدال إلا من اقترحه سكان كدال وبشروطهم.

  خامسا: موقف الرئيس أمدو تماني توري من فرنسا والجيران الذي لا يحسد عليه 

في السنوات الأخيرة من فترة أمادو تماني توري اشتدت العداوة بينه وبين جيرانه الجزائر موريتانيا من جهة، وبينه وبين فرنسا من جهة أخرى. فقد كانت الجزائر تتهمه بضَعف الشخصية أمام من أسمتهم بالقاعدة، وبالعجز عن محاربتها، وخاصة لما قبل توري تحت تهديدات فرنسا بإطلاق سراح بعض المسجونين من القاعدة مقابل الإفراج عن الفرنسي المختطف. بينما تتهمه فرنسا وموريتانيا بعدم التعاون المشترك من أجل القضاء على القاعدة في الصحراء. والنتيجة أنهم شكلوا ثلاثية عدائية ضده، يترصدونه ويتآمرون ضده عن طريق الطوارق، وإفساد سمعته من الخارج.   

سادسا: نهاية القذافي وتهريب أسلحته إلى مالي وقلة حيلة الرئيس أمدو تماني توري في التعامل معها

تورط الجزائر وليبيا وموريتانيا:

لقد عقدت الجزائر اتفاقيات مع الطوارق مفادها: أن يتكفل الطوارق بمحاربة الجماعة السلفية الجزائرية في صحراء مالي مقابل تمديدهم بالأسلحة والمئونة، والدفاع عنهم في المحافل الدولية والإقليمية، وحذف أسمائهم من الإرهابيين، والترويج لهم عن طريق وسائل الإعلام. والذي يتابع الصحف والإذاعات يعرف أن الصحف الجزائرية تعرف كل حركات الطوارق في الشمال. وفي هذا يقول أحد محللي الجزائر، محمد مقدم الحياة: أفادت مصادر متطابقة أن مختار بلمختار القيادي البارز في «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، كبرى الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية، قُتل مع اثنين من مساعديه خلال تبادل لإطلاق النار مع جماعات معارضة مسلحة في شمال مالي.

ورأت أوساط أمنية جزائرية أن مقتل بلمختار المطلوب دولياً يكتسب أهمية خاصة، لا سيما أنه جاء بعد أقل من أسبوع على إعلان انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة». واعتَبر دبلوماسيون جزائريون مقتل «الأعور» على أيدي مسلحي المعارضة المالية، «هدية» إلى السلطات الجزائرية على الجهود التي بذلتها لوقف الحرب الأهلية التي اندلعت في مالي قبل شهور. ويؤشر استهداف المعارضة المالية أحد قيادات «الجماعة السلفية» إلى رغبة الطوارق في نفي الاتهامات الجزائرية لهم بالارتباط بجماعات إرهابية.

ويعتبر بلمختار (34 عاماً) أحد أبرز قيادات «الجماعة السلفية»، وهو كان منذ تأسيس التنظيم المسلح نهاية العام 1998 «حلقة الربط» الأساسية مع تنظيم «القاعدة»، كما كان المصدر الأساسي للأسلحة والذخيرة التي كانت تحصل عليها الجماعة من شبكات تجارة السلاح التي تنشط في منطقة الساحل الصحراوي.

     أما ليبيا فإنها مدينة للطوارق فقد استخدمتهم في حروبها القذرة كما مر بنا فلا بد من مساعدتهم ماديا ومعنويا للحصول على ما يريدون، وهذا ما تظهره ليبيا، ولكن القذافي له أهداف أخرى يسعى من خلال الطوارق إلى تحقيقها، تتلخص في قيام دولة الساحل والصحراء الكبرى بزعامته على غرار الولايات الأمريكية المتحدة، ولذلك كان يمطر عليهم الأموال والأسلحة تمهيدا لتحقيق هذه الأهداف.

  وأما موريتانيا فمشكلتها هي أن كثيرا من طوارق الصحراء من أصول موريتانية؛ ولذلك أصبحت موريتانيا ملجأ لهم ومنطقة انسحاب استراتيجي في حالة هجوم الجيش المالي، ويضاف إلى ذلك أن موريتانيا هي التي تشجع فكرة عدم  قبول رئاسة الرجل الأسود من قبل البيض، وإن كان السود أضعاف البيض متخذة وضع موريتانيا الحالي دليلا ونموذجا. ولكن موريتانيا تتجاهل تماما الحقائق التاريخية والسياسية لمنطقة شمال مالي......

      مشكلة فرنسا: لقد ذكرنا بأن فرنسا كانت ترغب في ضم المناطق الصحراوية الغنية مع الجزائر إلى ممتلكاتها، الأمر الذي رفضه مودبو كيتا. وهذا يشكل في  نظر فرنسا هزيمة مخجلة لا يسامح عليها، فأرادت  تبديل ذلك بتحويل صحراء مالي إلى منطقة استراتيجية بعد الاستقلال، وهذا الطلب الأخير تمَّ رفضه قطعا من كل الحكومات المتعاقبة.

ولذلك قامت فرنسا بضم اسم مالي إلى القائمة السوداء، والعمل من أجل منع تقدم مالي وازدهارها مستخدمة كل الوسائل بما في ذلك الدفع بالطوارق إلى التمرد والثورات، ودعمهم بالخطط الجهنمية والاستراتيجيات الشيطانية. 

 الحل الدائم لهذه المشكلة: لا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وتقول الحكمة: من لم يأخذ من ملته مات في علته.

الحل هو –أولا- إكثار شباب السنغاي والفلانيين في الجيش الجمهوري، فهم أعرف بطبائع الطوارق من غيرهم، وأجدر بإسكاتهم.

 ثانيا تشجيع قيام حركات شبابية دفاعية من أجل الدفاع عن القرى النائية عن الحواضر حالة هجوم الطارق عليها. وأعتقد أن الكل يتذكر دور غَنْدَكُوْي في إخماد نار ثورة الطوارق السابقة. 

                                         د.عبد القادر إدريس ميغا

                                      أستاذ في جامعة الآداب والعلوم الإنسانية

                                                            بماكو 6/7/1433هـ 27/5/2012م






التمرُّدُ الحالي بشِقَّيْه السياسي والجهادي

0 التعليقات:

الاعضاء

Latest Tweets

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Sample Video Widget

جميع الحقوق محفوظة. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

ترجمة

كتابا

المدونات

back to top