مَنْ مُؤلِّفُ كتاب " تاريخ الفتَّاش" ؟

من طرف Abdoul karim CISSE  |  نشر في :  الثلاثاء, يونيو 16, 2015 0


بسم الله الرحمن الرحيم





مَنْ مُؤلِّفُ كتاب " تاريخ الفتَّاش" ؟

أ. د.هارون المهدي ميغا
قسم اللغة العربيَّة، كليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة
جامعة الآداب والعلوم الإنسانيَّة، بماكو، مالي

نُشِر في:
 قراءات إفريقيَّة، مجلَّة ثقافيَّة فصليَّة محكَّمة متخصِّصة في شؤون القارة الإفريقيَّة ( تصدر عن المنتدى الإسلامي) العدد 24، ربيع الآخر-جمادى الآخرة 1436هـ/ أبريل – يونيه 2015م ص126-131







 مَنْ مُؤلِّفُ كتاب " تاريخ الفتَّاش" ؟

مَن الذين يُسَمَّوْن "محمود كَعْتِ"؟
     ومَن مِنهم مُؤلِّف تاريخ الفتَّاش؟ ([1])
                                        
إنَّ المصادر العربيَّة القديمة التي كتبها المسلمون العرب من المؤرِّخين والرَّحالة والجغرافيين،  وكذلك كثير ممَّا كتبه –باللغة العربيَّة- المسلمون الأفارقة، تُعَدُّ من أهمِّ المصادر وأكثرها دقَّة، وبخاصَّة تلك التي تناولت تاريخ أفريقيا.
 ويُعَدُّ " تاريخ الفتَّاش في أخبار البلدان والجيوش" أحدَ أهمِّ المصادر والكتابات التاريخيَّة السودانيَّة التي تناولتْ تاريخ السوداني الغربي (غرب أفريقيا) بإمبراطوريَّاته وممالكه الثلاثة: [سنغايSoŋay]، غانا، مالي، وإن كان التفصيل في تاريخ إمبراطوريَّة سنغاي الإسلاميَّة أكثر.
 ومن أهميَّة هذا المصدر أنَّ مؤلِّفه من أبناء هذه المنطقة وعايَش هو وكثير من أفراد أسرته قبله تاريخ المنطقة، كما أنَّه من أسرة دينيَّة، وعلميَّة وفقهيَّة، وقضائيَّة، كان أفرادها مصاحبين لبعض ملوك إمبراطوريَّة [سنغايSoŋay]، وبينهم وبين بعض هؤلاء الملوك نَسَب ومصاهَرة.
ولقد اختلفت الأقوال وتعدَّدت الآراء في مؤلِّف هذا الكتاب المهمِّ، وكان من أهمّ أسباب هذا الاختلاف: اختلافُ تواريخ بعض الأحداث والوقائع، واختلافُ عصور المتحدِّثين عنها، ووجودُ أكثر من شخص يُسمَّى "محمود كَعْتِ" يجمعهم قرابةُ أُبوَّة، وبُنوَّة، وحَفادة، وكلُّهم علماء، وفُقهاء، وقُضاة، ومؤرِّخون!
ولم تتوصَّل كلُّ التحقيقات والدراسات العلميّة للكتاب - حسب ما وقفت عليه- إلى اسم المؤلِّف الحقيقي للكتاب؛ بسبب اللأمور المتشابكة السابقِ ذكرُها، ما عدا التحقيق العلميُّ المقدَّم له بدراسة مفصَّلة وعلميَّة ستصدر – قريبا جدًّا إن شاء الله- عن معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلاميَّة في تنبكتو، قام بتحقيقه جماعة من الباحثين([2]). و كتاب (Wadu Dofo) للمؤرِّخ الغيني سليمان كانتي (ت1977م) الذي ذكر الاسم كاملا مع خطإ في تحديد تاريخ الوفاة، ومن غير إشارة إلى أنَّ الكتاب له. -وسيأتي البيان-. حدث كلُّ ذلك برغم الشكوك الكثيرة وبأدلَّة قويَّة في أنَّ الاسم الوارد على غلاف النسخ المطبوعة لا يمكن أن يكون المؤلَّف الحقيقي، والاتفاقُ كذلك على أن يكون شخصًا يُنسَب بـ( ابن المختار القنبلي).
لكلِّ ما تقدَّم تُحاوِل هذه الدِّراسة تَلَمُّسَ قولٍ فَصلٍ في ضوءِ ما تَمَّ التوصُّلُ إليه مِن أدلَّةٍ؛ ولتحقيق ذلك نبدأ بالإجابة عن السؤال الأوَّل: مَن الذين يُسَمَّوْن " محمود كَعْتِ " ؟
مَن الذين يُسَمَّوْن "محمود كَعْتِ"؟
هناك ثلاثة أشخاص من علماء إمبراطوريَّة [سنغايSoŋay] الإسلامية يُسَمَّوْن بهذا الاسم، كلُّ واحد منهم عالم، وقاضٍ، وفقيه، ومؤرِّخ، بينهم نَسب، وهم بالترتيب:
1)    محمود كَعْتِ الأوَّل:
هو: الحاج المتوكِّل محمود كَعْتِ بن زياد الوعْكُرَيُّ، وقد كان عُمُره – كما ذكر- خمسةً وعشرين عامًا في عام 898هـ/1492م، عامِ التقاتل بين أسكيا محمد الكبير وسونِّي أبو بكر بارُ بن سونِّي علي بير، وكان عمرُ أسكيا محمد  خمسين عامًا([3]). هو كاتب أسكيا محمد الكبير، ورسولُه في مهمَّات رسميَّة؛ فقد ذكر أنَّه ثالثُ ثلاثة أرسلهم أسكيا محمد –منفردين- إلى سونِّي بارُ للاستسلام " فأرسلني إليه أي أنا الفقير المحتاج أَلْفَع [محمود] كَعْتِ"([4]).  وهو مُرافِقُ أسكيا محمد في حجّه عام 902هـ/1496م، يصف نفسه بـ" المبتلى بالتأليف أنا محمود كَعْتِ" في حديثه عن العلماء الذين رافقوا أسكيا محمد إلى الحجّ([5]).
       يبدو أنَّه كان مُعَمَّرا؛ إذ وُلد عام 871هـ/1466م، وتوفي عام 1000هـ/1591م وعُمرُه حوالي 125 سنة، ودُفِِن في تُنبُكتُ. وعندئذ يكون قد أدركه سَميُّه وحفيدُه "محمود كَعْتِ الثاني"  وسَميُّهُما سِبطُ حفيده السابق "محمود كَعْتِ الثالث". 
       بدأ بتحرير وثائقَ ومذكِّراتٍ تاريخيَّة عام 925هـ/1519م وعمرُه خمسون سنة، كما صرَّح به. ولا شكَّ في أنَّ وصف نفسه بِـ "المبتلى بالتأليف" يدلُّ على كثرة ما سجَّله من معلومات، وعلى تَعدُّدِ الوثائق والمذكِّرات التي كتب فيها تلك المعلومات.
        وبرغم أنَّ هذه الوثائق لم تُجمَع في مؤلَّف واحد، ولم يكن لها عنوانٌ خاصٌّ– حسبما وقفتُ عليه- فإنَّها صارتْ زادًا دَسِمًا، ورافدًا علميًّا قويًّا لحفيده وسَمِيِّه " محمود كَعْتِ الثاني" ولِسِبطِ حفيده وسَمِيِّهما "محمود كَعْتِ الثالث" المؤلِّف الحقيقي لتاريخ الفتَّاش -كما سيأتي البيان-.


2)      محمود كَعْتِ الثاني:
         هو: محمود كعت بن علي بن الحاج المتوكِّل محمود كَعْتِ بن زياد؛ فهو حفيد للأوَّل من ناحية أبيه. يكثر في كتب التاريخ إسقاطُ اسم والده (علي) ونسبُه إلى جدَّه وسَمِيِّه" الحاج المتوكِّل محمود كعت، فلم تذكره تلك الكتب إلاَّ مرّةً واحدة، بمناسبة نَعْيُ سِبطه " محمود كَعْتِ الثالث "، وقد فعل سبطُه الشيء نفسه في الإحالة على كتاب له، حيث يقول: (( ونقلتُ هذا كلَّه من كتاب الجدّ ألفع محمود بن الحاج المتوكِّل، بخطّ بعض طلبته...))([6]).
        لكنَّ الباحث إسماعيل جاجي ذكر اسمَ والده نقلا عن مخطوطات لمحمود كَعْتِ الثاني وعن أفراد من الكَعْتِيِّين يبدو أنَّه التقى بهم في قرية كَرْ شَمْبَا([7]). وقد ثبَت عن محمود كعتِ نفسه عدَّةُ طرق في كتابته لاسمه، أغلبها على أنَّ:
أ‌-     اسم والده هو: عليّ، واسم والد جدِّه هو: زياد.
      ب- التوقُّف عند زياد في ذكر نسبه، وزاد آخرون: زياد بن أبي بكر([8]).     
       وُلِد محمود كَعْتِ الثاني في أيَّام أسكيا محمد الكبير([9])، وعاصر أسكيا داود بن أسكيا محمد، وكان من المقرَّبين إليه، ومستشارَه، وصِهرَه زوجُ بنته عائشة كِيمَرِ Tchémari ([10]). تكرَّر ذكرُه في الحديث عن الأحداث في عصر أسكيا داود([11])، وكان حَيًّا عام 996هـ/1587م في تِنْدِرْمَ؛ فقد استشفع به باغُنَ فاري بُكر من أسكيا إسحاق بن أسكيا داود([12]). شَهِد بدايات سقوط مملكة سنغاي.
      تُوفِّي ليلة الاثنين 1/1/ 1002هـ/1593م – كما يقول السعدي- في أَزْكِيا([13]) بِـ (جِمْبِيلاَّ  ( Djimbellaقرب بحيرة دِيبُو في إقليم موبتي (الإقليم الخامس من أقاليم جمهوريَّة مالي)، ونُقِل جسمانُه لِدَفنِه في تُنبكتُ.
      وهو سَمِيُّ جدِّه من أبيه محمود كعت الأوَّل. وينقل إسماعيل جاجي عن عَلِي غاو بن محمود بن محمود كعت الثالث أنَّ اسم أمِّه خديجة بنت أبي بكر، أكبر إخوة وأخوات أسكيا محمد([14]).
لمحمود كعت الثاني مُصَنَّفاتٌ تنقسم إلى نوعين:
أ‌-          الصِّنْف الأوَّل: كتابٌ، وعنوانُه: تذكرةُ الإخوان عمَّا تركوا من الأعوان (مخطوط)، هو مُؤَلَّفه الوحيد، وهو كتاب تاريخيٌّ يتكوَّن من مجلَّدين:
 في المجلََّد الأوَّل: موضوعاتٌ يمكن تصنيفها – كما يقول إسماعيل جاجي- على النحو الآتي: حديثُه عن أسرته ومشاكلها وهجرتها إلى السودان الغربي بعد مغادرتها الأندلس، والعلاقة بين بني كَعْتِ والسِّيلاَّنْكِي Syllantche([15])، وعلاقةِ أسرته بالأسرة المَلَكيَّة في سنغاي إلى وفاة أسكيا محمد، وأسفارِه برفقة أسكيا، والمساجد والقصور التي بناها الأسكيا أسماؤُها وأماكنُها، ثمَّ الخاتمة التي هي عبارة عن رسائل وفتاوى.  
أمَّا المجلَّد الثاني: فقد تحدَّث فيه عن الأندلس. وقد سبق عن سِبطَه وسمِيِّه أنَّه نقل من كتاب جدِّه بخطّ بعض طلبته، ولم يُسمِّ الكتاب؛ فقد يكون هذا أو بعض التعليقات الآتية.
ب‌-        الصِّنْف الثاني: ملاحظات، وتعليقات، وهي متنوِّعة ومكتوبة إمَّا على حواشي المخطوطات - وصل عددُها إلى مئتين وثماني عشرة ( 218) - أو في بعض الوثائق، أو في المذكِّرات.
وقد قام سِبطُه وسَمِيُّه محمود كَعْتِ الثالث([16]) بنقل أجزاء من الكتاب السابق، والملاحظات، والوثائق، على النحو الآتي:
v    النقل المباشر منهما، مع الإحالة أو بدونها.
v  النقل والرواية عن أخواله الذين نقلوا –أيضا- من المرجعين السابقين بدون إحالة، كما نقلوا شفويا عن أبيهم محمود كَعْتِ الثاني وعن جدِّ والدهم الحاج المتوكِّل بالله محمود كعت الأوَّل.
        نحو: "هكذا روينا القصة عن خالنا الفقيه القاضي محمد الأمين بن القاضي محمود كَعْتِ، رحمهم الله"([17]). " كذا ذكره الفقيه يوسف [ بن محمود كَعْتِ] بن ألفا محمود كَعْتِ "([18]). " رأيتُ بخطِّ خالنا يوسف[ بن محمود] كَعْتِ بن ألفع محمود رحمهما الله "([19]).   
        يَقِفُه أخوالُه–أحيانا-على بعض ما لديهم، يقول عن وثيقة كتبها أسكيا محمد لبعض حَفَدة مُورُ هَوْكار: " ووَقَفتُ أنا على ذلك الكتاب، أوقفني عليه خالي القاضي إسماعيل بن الفقيه القاضي محمود كَعْتِ "([20]).
v   الرواية عن والده هو: المختار القنبلي، نحو: " سمعتُه عن والدي المختار قُنْبُلِ رحمه الله يتحدَّث به "([21]). " كذا نقلتُ من شيخي والدي رحمه الله"([22]).
v    النقل عن بعض العلماء والمؤرِّخين، كصاحب " درر الحسان في أخبار بعض ملوك السودان " بابَا كور بن الحاج محمد([23]).
أمَّا تاريخ الفتَّاش فلم يذكره إسماعيل جاجي في مؤلَّفاته، يقول: (( يُلاحِظُ القارئُ أنَّنا لم نذكر تاريخ الفتَّاش؛ لأنَّ ألفا قاتي [كَعْتِ] محمود ليس مؤلِّفا لهذا الكتاب))([24]).
3)    محمود كَعْتِ الثالث: سِبْطُ محمود كعت الثاني، وسَمِيُّه، ومؤلِّفُ تاريخ الفتَّاش: محمود كَعْتِ بن المختار القنبلي، عاش في القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، وعاصر آثارَ الغزو المغربي وحُكمَ الباشاوات. واصَل الكتابةَ التاريخيَّة كما فعل سَمِيَّاه وسَلَفُهُ (محمود كَعْتِ الأوَّل والثاني)؛ فقام بتسجيل أحداث التاريخ في كتاب بطلب من أسكيا داود بن أسكيا هارون الذي تولَّى أسكاويَّة تنبكتُ عام 1067هـ/1657م وعُزِل عام 1079هـ/1668م، وهو من أساكي الباشاوات المغربية([25]).
      تُوفِّي محمود كعت الثالث بن المختار القنبلي بعد عام 1075هـ/1664م ؛ فقد ذكر حادثة وقعت في هذه السنة وقال: (( وقد رأيتُ بعيني كثيرا....وذلك في أوَّل عام 1075هـ/1664م))([26])، وكان ذلك في عهد الباشا عمَّار بن أحمد عجرود الشرقي الراشدي(1073-1077هـ/1662-1666م) الذي دام ثلاث سنوات وتسعة أشهر وتسعة أيَّام([27]).
      وقد تزامَنَ تأليفُ كَعْتِ لكتابه " تاريخ الفتاش" مع تأليف السعدي( ت 1066هـ/1656م)  لكتابه "تاريخ السودان" الذي أكمل أغلبه بتاريخ الثلاثاء 5/12/1063هـ/1653م، ثمَّ زاد الباب الأخير الخاصّ بالحوادث التي وقعتْ بين عام 1063-1065هـ. أمَّا كَعْتِ فيبدو أنَّه أكمل كتابه بعد عشر سنوات من انتهاء السعدي من كتابه وذلك قُبَيْل عام (1076هـ/1665م) ؛ فهو سابق للسعدي في البدء بالكتابة ولاحق له في الانتهاء.

الأدلَّة على نسبة " تاريخ الفتَّاش" إلى محمود كعتِ الثالث:
بِناءً على كلِّ ما تقدَّم يُمكِن الجزم بأنَّ مؤلِّف " تاريخ الفتَّاش" هو: محمود كعت الثالث بن المختار القنبلي، وهو الذي سمَّى الكتاب بهذا الاسم الذي يبدو أنَّه لم يُسبَق إليه؛ فالتسمية مِنه ولَه، ومن الأدلَّة:
1- ذكر كثير من الباحثين بالإنغليزيَّة وغيرها أنَّ المؤلِّف هو ابن المختار، من غير تحديد اسمه، مثل: الأب جُوزيف برن سنة 1333هـ 1914م، وجُونْ هُونوِيك J.Hunwick، ون. لفتزيون N.Levtzion وآخرون([28]).
2- أشار إسماعيل جاجي إلى الثلاثة ( محمود كعت الأوَّل والثاني والثالث)([29]). ويبدو أنَّه التقى بأحفاد للثاني وللثالث؛ حيث نجده يشير إلى أفراد الأسرة في قرية كَرْ شَمْبَا وإلى طريقة كتابتهم لـ: كَعْتِ، (كُوتا)، ونقل عن أفراد من بني كَعْتِ مثل: علي غاو بن محمود بن محمود كَعْتِ الثالث، وعلي هُولاَّ بن علي بن محمود كَعْتِ الثاني، ومحمود كَعْتِ بن عبد الرحمن أبانا بن إبراهيم بن محمود كَعْتِ الثالث([30]).
3-     الأخوال الثلاثة للمؤلِّف الذين يُكثِر النقل عنهم: إسماعيل، ومحمد الأمين (توفي ليلة الأحد 10/12/1055هـ/1646م في بَيْنا)([31]) ويوسف، فهم أبناء محمود كَعْتِ الثاني، ويلقَّب كلُّ واحد منهم بـ"ألفا"([32]). فقد استفاد من مذكِّراتهم وما كان لديهم من مخطوطات ووثائق، وممَّا كانوا يُحدِّثونه به شفاهةً.
4-     ورد الاسم الكامل ( ألفا محمود كعْتِي بن مختار غومبيلي) في (Wadu Dofo) للمؤرِّخ الغيني سليمان كانتي (ت1977م)، الذي تحدَّث عن الإمبراطوريَّات الإفريقيَّة، وترجمه إلى العربيَّة الأخ عبد القادر كَجيرى، مع خطأ في التاريخ لوفاته بعام (1593م ) الذي هو –في الواقع- تاريخ وفاة محمود كعتِ الثاني، كما تقدَّم([33]). ومن غير إشارة إلى أنَّ الكتاب له؛ حيث ورد هذا الاسم ضمن قائمة بأسماء علماء – قدامى ومعاصرين- نسبهم الكاتب أو المترجم إلى السونينكي.
5-             يُؤيِّد الأدلَّة السابقة تصريحُه هو نفسُه بأنَ اسم والده هو: "المختار القنبلي" وبأنَّه شيخه، وقد أخذ منه([34]).
مصادر كتاب "تاريخ الفتَّاش":
تنوَّعتْ مصادر كتاب "تاريخ الفتَّاش" حيث شملت ما يأتي:
1.  ما حصل عليه من وثائق ومذكِّرات سَميِّه الأوَّل.  
2.  كتابُ سَمِيِّه الثاني وجدِّه من أمِّه ( تذكرة الإخوان)، ووثائقه ومذكّراته، وملا حظاته وتعليقاته على حواشي المخطوطات.
3.    ما نقَلَه – كتابة أو شفاهةً- عن أخواله الثلاثة.
4.  ما نقَلَه –كتابة أو شفاهةً- عن والده المختار القنبلي. ويبدو أنَّه غير محمد بن المختار الذي يذكره " وقد كنتُ أنا يومًا عند شيخنا الفقيه محمد بن المختار الملَقَّب محمد بن كرتم..... قال محمد ولد كرتم رحمه الله: جاء بهذا الكتاب والدي الحاج المختار من حجَّته، قال ناوَلَنِيه زين العابدين في مصر وأمرني بإيصاله لأسكيا نوح))([35]). ويذكره – أحيانا كثيرة – بِـ" محمد كرتم " فقط.
       ولا شكَّ في أنَّه لم يكتفِ بِمُجرَّد النقل من هذه المصادر الأربعة فلديه زياداتٌ، وتفاصيلُ وتوسُّعٌ، وتنسيق.
5.    ما نقَلَه عن غيرهم مِنَ العلماء والمؤرِّخين.
6.    ما سَجَّله مِن عند نفسه مِن أحداث عايَشها.
         ويؤكِّد مصدريه الأخيرين (5، 6) المعلوماتُ التي أوردها عن أحداث مُتأخِّرة لم تقع في أيَّام أصحاب المصادر الأربعة قبلُ.
 
          لا دليلَ على تحريف (قاتي) إلى (كعتِ):
           يبقى بَعدُ:  أنَّ إسماعيل جاجي ذهب إلى أنَّ ( كَعْتِ) و(كُوتا) - الذي نقله عن بعضهم- تَحريفٌ لِـ: (قَاتِي)، الذي التزم به في بحثه كلِّه، كما سَمَّى مكتبته للمخطوطات في تُنْبُكْتُ بـ" مكتبة القُوتِي".
        ولا يوجد لديه دليلٌ قويٌّ على تحريف (قَاتِي) إلى(كَعْتِ)؛ لما يأتي:  
1.  قد تعاقبت على استعمال (كَعْتِ) ثلاثةُ أجيال علماءُ - كلُّهم فقهاءُ، وقضاةٌ، ومؤرِّخون- ممَّن يحملون (كَعْتِ) ولم يشيروا إلى هذا التحريف المزعوم، ولم يُغيِّروه، بل كَتبوه بأقلامهم وفي مؤلَّفاتهم!! ولم يغيِّرْه –أيضا- أو يُشِرْ إلى التحريف أحفادُهم العلماء، والفقهاء، والقضاةُ، والمؤرِّخون!!.
2.   يُستَبعَد في أمثالهم أن لا يشيروا إلى شيء من ذلك لو كان صحيحا وقد كانوا ذَوِي علمٍ، وتأليف، ونفوذ، يعيشون في كنَف السلاطين!! 
3.   وفي(قَاتِي) حرف القاء (ق، العربية)، وهو لا يوجد في اللغة اللاتينية وفروعها الأوروبية، وقد بذل إسماعيل جاجي جهودا مُضْنِية للرجوع بأجدادهم إلى إسبانيا!!!
  أمَّا وجود حرف العين الساكنة في (كَعْتِ)، وهو من الحروف الخاصّة باللغة العربية؛ فإمَّا لأنَّه من الكَعْتِ بمعنى الذهاب مُنتَفِخا من الغضب، ومنه: أكْعَتَ فلانٌ.
 وإمَّا لأنَّ العين الساكنة في الأصل ألِفٌ ساكنة (كَاتِ)، والمؤلِّف قد أكثر من استعمالها في ذكر أسماء وأوصافٍ لأعلامٍ من الناس وغيرهم، مثل: (أَلْفَعْ = ألفا)، أي الفقيه والأستاذ. و(وَعْكُرَيْ = وَاكُرَيْ) و(مَعْمَعْ = مَامَا) إحدى طرق النطق بـ" محمّد" في لغة [سنغايSoŋay] وقد تُشدَّد الميم الثانية (مَمَّ)، و(مَعْ كَيْنَا= مَا كَيْنَا)، بمعنى محمد الصغير، و(بَلْمَعْ = بَلْمَا) منصب إداري قديم في إمبراطوريَّة [سنغايSoŋay] قبل حكم السنِّيِّين، واستمرَّ إلى سقوطها ([36]).  
ومِن معاني (كَاتِ) في لهجاتِ لغة [سنغايSoŋay]: الدعوة، والصُّراخ؛ فَيَعْنِي مِهْنة الدعوة إلى الله وما يتمُّ فيها من رفع الصوت للإسماع جيِّدا، والدعوةُ إحدى صفات العلماء، والفقهاء، والقضاة، وهم كُثْرٌ في هذه الأسرة لأجيال متعاقبة ؟
4.   ورد في نسبه " الوعْكُرَيُّ أصلا " نسبة إلى وَاكُرَيْ([37]). ويكاد الإجماعُ يَنعَقِد على أنَّ وَاكُرَي و[سنغايSoŋay]، ووَنغَرا، ثلاثة إخوة أشقَّاء أبوهم براس أو تراس([38])، وهم الذين أسَّسوا ثلاث ممالك سودانيَّة في السودان الغربي: [سنغايSoŋay]، وغانا، ومالي.




[1] - نُشِر في: قراءات إفريقيَّة، مجلَّة ثقافيَّة فصليَّة محكَّمة متخصِّصة في شؤون القارة الإفريقيَّة، العدد 24، ربيع الآخر-جمادى الآخرة 1436هـ/ أبريل – يونيه 2015م ص126-131- للأستاذ الدكتور هارون المهدي ميغا.
[2] - صدرت الطبعة الأولى 2014م 1435هـ، بماكو، مالي، من منشورات معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلاميَّة –تُنكبُكتُ.  كاتب هذه السطور من المراجعين والمصححين له، وسيرد فيه جزء كبير من هذه الدراسة.
3- تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش، محمود كعت/58 ، هوداس ودلافوس، عام 1964م، باريس، مطبعة Librairie D, Amerique et d,Orient Adrien maisneuve
4- انظر: المصدر نفسه/54
5- انظر: المصدر نفسه/16
6- المصدر الساق/48، وتقع – الآن- في منطقة تنبكتو.
7- انظر: حيدره: إسماعيل جاجي، ألفا قاتي [ كعت] محمود، حياته وأعماله/220، 221، 222، 216، ضمن مجموعة بحوث بعنوان تمبكتو ثقافة متعدِّدة   Editions Yeredon,(  Hmidou MAGASSA)  Tombouctou son savoir-être multiple,    Études Eurafricaines, L’Harmattan
[8] - انظر: المرجع السابق/ 221، 222
9- انظر: تاريخ الفتاش/82
10- انظر: المصدر السابق/118
11- انظر: المصدر السابق/108، 109، 112، 113، 116، 118
[12]- تاريخ السودان، عبد الرحمن السعدي/131، نشر السيد هوداس، عام 1964م، باريس، مطبعة
Librairie D, Amerique et d,Orient Adrien maisneuve .
13- انظر: المصدر نفسه/211
14- انظر: ألفا قاتي (مرجع السابق)/213
15- انظر تفاصيل عن هذا الاسم ونسبة بعض ملوك سنغاي إلى "سيلاَّ" في بحثنا: تحريف دلالات الألقاب والوقوع في أخطاء تاريخيَّة، ألقاب الملوك في إمبراطوريَّة سنغاي نموذجا، مجلَّة دراسات إفريقيَّة، إصدار مركز البحوث والدراسات الإفريقيَّة، جامعة أفريقيا العالميَّة، الخرطوم، عدد 45، سنة 27، يونيو 2011م، رجب 1432هـ. ويُعَدُّ الكاتب المذكور أعلاه (إسماعيل جاجي) أكبر دعاة يهوديَّة هذه الأسرة، والباحثين عن تاريخ سلالات يهوديَّة وأسبانيَّة في تنبكتو وإمبراطوريَّة سنغاي، تدعمها جهات يهوديَّة وأوروبيَّة، وقد نشر كتُبًا بالأسبانيَّة والفرنسيَّة في هذا، ومُكِّن له لتكوين مكتبة مخطوطات في تنبكتو باسم " مكتبة ألفا القوتي". انظر تفاصيل عن جهوده في بحثنا السابق، وفي بحثنا: " التاريخ الإسلامي في غرب أفريقيا تحت مطارق الباحثين" مجلّة قراءات أفريقية، مجلّة ثقافية، فصليّة، متخصصة في شؤون القارة الأفريقية، يصدرها المنتدى الإسلامي، العدد1 رمضان 1425هـ أكتوبر2004م.
16- انظر: ألفا قاتي (مرجع السابق)/206، 207
17- تاريخ الفتاش/89
18- المصدر السابق/129
19- المصدر نفسه/142، وانظر: 175
20- المصدر السابق/72
21- المصدر السابق/70
22- المصدر نفسه/84
23- انظر: المصدر نفسه/44
24- ألفا قاتي (مرجع السابق)/206
[25] - تذكرة النسيان في أخبار ملوك السودان، مجهول، /233
[26] - انظر: تاريخ الفتاش/75
[27] - تَولَّى في جمادى الأولى 1073هـ/1662م، وعُزِل يوم السبت 26/2/1077هـ/1666م. انظر: تذكرة النسيان /236
[28] - انظر: حركة التجارة والإسلام والتعليم الإسلامي في غربي إفريقيا قبل الاستعمار وآثارها الحضاريَّة د.مهدي رزق الله أحمد/29-32، ط1 عام 1419هـ 1998م، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض. وانظر مراجعه الإنغليزية في ص29 حواشي 1-4
29- انظر: ألفا قاتي/ 207، 213، 220، 221
30- انظر: المرجع نفسه/ 213، 220، 221
[31] - انظر: تاريخ السودان للسعدي/276، وذَكرَهُ بِـ" أخونا محمد الأمين كعت"، وهو الشخص نفسه الذي ذكره-أيضا- في ص300 بزيادة كلمة "بن" بين محمد والأمين؛ إذ يتفق النصَّان في كلّ شيء ما عدا هذه الكلمة، وأنَّه (أي السعدي) هو الذي تولَّى غسله؛ والنصُّ هو ((وفي ليلة الأحد، العاشر من ذي الحجَّة الحرام المكمِّلة للخامس والخمسين والألف توفِّي أخونا محمد بن الأمين بن أبي بكر كعت في بلد بَيْنَا فغسلتُه وصلَّى عليه في المُصلَّى ضحوةً العيد ودُفِن هنالك ساعتئذ)).          
 وأُرَجِّحُ أن يكون هو المقصود بقول السعدي: (( تُوفِّي الأخ العزيز، والصاحب المُحبُّ، الحنين من عهد الطفوليَّة، الفاضل، الدَّيِّن، الفقيه، محمود كعت بن علي بن زياد، في بلد بَيْنَا ودفِن هنالك، غفر الله له، ورحمه، وعفا عنه، وجمع شملنا وشمله في ظلِّ العرض وفي الفرودس الأعلى بمنِّه وكرمه، آمين))([31])
 أمَّا تسميته في النصِّ نفسه بِـ: محمود كعت بن علي بن زياد، والتأريخ للوفاة بليلة الثلاثاء السابع عشر من شوَّال عام 1058هـ، فلا أكاد أشكُّ في أنَّهما خطأ من النُّسَّاخ خَلَطُوا به بين شخصيَّتين مختلفتين بدليل: أ- محمود كعت[ الثاني ] بن علي هو الذي وُلِد أيَّام أسكيا الحاجّ محمد الكبير، وعاصَر ابنه أسكيا داود، وصاهَرَه، وقد مات –كما تقدَّم، وعند السعدي نفسه- ليلة 1/1/1002هـ 1594م في بلدة أَزْكيا، وليس في بلدة بَيْنا.
 ب- يكون السَّعدي قد وُلِد بعد وفاته بسنتين عام 1004هـ/1596م؛ فلا يمكن أن تنطبق عليه الأوصاف المذكورة؛ إذ لا معاصَرَةَ بينهما.  ج- يبقى أن يكون محمود كعت الثالث هو الذي عاصر السعدي.
32- انظر: ألفا قاتي (مرجع سابق)/208
[33] - انظر: نحو موسوعة تاريخيَّة لمالي: إمبراطوريَّة غانة، مترجم عن ( Wadu Dofo) بتصرُّف وزيادة، إعداد عبد القادر بن تيجان كجيرى/113، مؤسسة كجيرى للتربية والبحوث التاريخيَّة، 2014م، مالي.
[34] - انظر: صفحة 5 من هذه الدراسة.
35- تاريخ  الفتاش/167
36- كما أكثر من استعمال العين بدل الغين: كَيَمَعَ = كَيَمَغَ، يَنْتَعَ = يَنْتَغَ، كَمْزَاعُ = كَمْزاغُ، ، وكاعَ = كاغَ أي الجدّ، وقد يستعملها بدل الواو الساكنة: تُعْبَ = تُوبَى، وطُُعْيَهْ/ تُعْيَهْ = تُويَا، والمضمومة: كَاعُ / غاعُ = غاوُ ...إلخ. وانظر: تاريخ الفتَّاش، تحقيق وطبع "معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلاميَّة بتنبكتو"، سيصدر قريبا.
37- انظر: تاريخ الفتاش/1
38- انظر: المصدر السابق/25-26

نبذة عن الكاتب

اكتب وصف المشرف هنا ..

اشتراك

الحصول على كل المشاركات لدينا مباشرة في صندوق البريد الإلكتروني

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

ترجمة

كتابا

المدونات

back to top